dimanche 10 octobre 2010

الديمقراطية وأنماط المشاركة في تدبير الشأن العام

الديمقراطية وأنماط المشاركة في تدبير الشأن العام
جمال بندحمان
تقديم
(لا ديمقراطية بدون مواطنة ولا مواطنة بدون ديمقراطية)،بهذه المعادلة يرسم آلان تورين طبيعة العلاقة التي تربط المواطنة بالديمقراطية،إذ هما وجهان لعملة واحدة . فالمواطنة باعتبارها حياة جماعية قائمة على روابط تشريعية وسياسية وثقافية وإنسانية، وإطارا تتحقق من خلاله الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية اللازمة لممارسة الحرية والمساواة والعدالة ،لايمكن أن تصبح فعالة وبناءة إلا بإعمالها ،وهذا الإعمال يتحقق عن طريق مشاركة كل فرد في تدبير شؤون مجتمعه وإقليمه وحيه بإبداء الرأي، والقيام بمبادرات تهدف إلى تحقيق المنفعة العامة ،والمشاركة باعتباره ناخبا أو مرشحا في اختيار نوع السلطة التي يجب أن يخضع لها المجتمع. .
تسمح المشاركة بثتبيت الديمقراطية،لذلك فإنها تحتاج إلى بناء اجتماعي مقترن بالحركات الجمعوية، والمبادرات الجماعية المؤطرة ،أو الفردية المسؤولة ،كما أنها سلوك وممارسة يتمظهران في المشاركة في الحياة العامة.
1. من المشاركة الامتيازية إلى حق المشاركة
قطعت البشرية مسارا طويلا من أجل تحويل المشاركة من امتياز يمنح للبعض إلى حق لكل مواطن بغض النظر عن نوعه أو عرقه أو وضعه الاجتماعي،فقد قامت مواطنة أثينا وروما على جعل صفة الأهلية القانونية حقا رجوليا ،وحرمت منه النساء ،بينما شكل عصر الأنوار مرحلة تحول بجعل المواطنة حقا إنسانيا يتمتع به الجميع على قدم المساواة ،وجعلته الثورة الفرنسية حقا قانونيا وسياسيا بإعلانها حقوق الإنسان والمواطن.فما المقصود بالمشاركة؟
يقصد بالمشاركة في الحياة العامة مساهمة الأفراد في تدبير شؤون مجتمعهم، وإبداء الرأي ،والقيام بمبادرات تهدف إلى تحقيق المنفعة محليا ووطنيا. ويندرج حق المشاركة ضمن الحريات السياسية ،غير أن مفهوم المشاركة يتجاوز كونها مجرد حق ،إذ هي ثقافة تقع على النقيض من ثقافة عدم الاكثرات واليأس والعزوف،مما يعني حاجة كل مجتمع إلى ترسيخها عن طريق التنشئة الديمقراطية القائمة على أسس التعبئة والتكوين المستمرين،ذلك أن قوة الديمقراطية تكمن في إرادة المواطنين للعمل المسؤول في الحياة العامة والمشاركة مع غيرهم في التدبير العمومي، واختيار من يمثلهم،وتقييم أدائهم ،وهذه العمليات مجتمعة هي التي حدت بالمنظرين للديمقراطية للحديث عن) الذهنية الديمقراطية( المقترنة بالتكوين والممارسة السليمة .
2 .المشاركة مشاركات
لاتقتصر المشاركة وضرورتها على مواطن محدد،إذ هي حق للجميع ،وواجب على الجميع،لكن المشاركة مشاركات تتنوع وتتعدد وتتكامل من خلال مجموعة من الإجراءات والسلوكات والممارسات التي تشكل ميدانا خصبا لتفعيل القدرات والمهارات والكفايات،فشاب اليوم هو الأب والمربي والمسؤول والقيادي غدا،وذهنيته الديمقراطية المنفتحة هي التي تسمح له بتحويل ممارسته للمشاركة الديمقراطية إلى نموذج يحتديه مجايلوه ،أو من سيرتبط بهم. فما مجالات المشاركة التي يمكنه المساهمة فيها؟
3 .المشاركة السياسية
قد تكون المشاركة السياسية الوجه الأبرز للمفهوم،ورغم أن الكثيرين يربطونها بالانتخابات ،فإنها أوسع من ذلك. صحيح أن الانتخابات هي الآلية التي تنظم العملية الديمقراطية، لكن هذه الآلية نتيجة لمشاركات كثيرة يساهم فيها الحزبي والجمعوي والمسؤول الحكومي،بل ويساهم في التهيئ لها كل مواطن من موقعه. لذلك فإن المشاركة مبدأ عام لا يرتبط بمناسبة معينة ،وهي جهد بداغوجي ونفسي وفعل مواطنة بامتياز. ذلك أن المشارك مواطن مقتنع بمبادئ سامية ؛منها التعايش وحق الاختلاف وتقبل النقد والتفاعل مع الغير، بغض النظر عن مرجعيته أو اقتناعاته الفكرية أو السياسية.
تمارس المشاركة السياسية بعدة وسائل لعل أقربها إلى الذهن المشاركة في اختيار من يمثل المواطن في الإطارات التشريعية أو الجماعات المحلية،أي مجمل الاستحقاقات الانتخابية التي تخضع لمنطق زمني يحدده القانون،غير أن هذه المشاركة تقترن بأخريات أهمها المشاركة في الحياة الحزبية التي يتم الانخراط فيها بناء على اقتناع بمبادئها ومرجعيتها، علما بأن واحدا من أهم أدوار الأحزاب السياسية هو تأطير المواطنين بكل ماتعنيه كلمة تأطير من تكوين وتعبئة وتحفيز على المشاركة في الحياة العامة ،بل إن المشاركة تبتدئ من الحزب ذاته ،فبقدر ما تزداد فعالية مشاركة أعضائه ،تزداد النجاعة وتتقوى الهياكل وتمارس الديمقراطية في أجلى صورها من مواكبة ومتابعة ومساهمة وانتقاد وفق ما تحدده القوانين الداخلية ،والمرجعيات الحقوقية العامة والكونية.
4 .المشاركة في الانتخابات
تضع الديمقراطية حرية الاختيار فوق كل اعتبار ،حيث يفوض المجتمع سلطته للطبقة السياسية لحظة الانتخابات عن طريق التصويت ،دون أن يعني ذلك منحها تفويضا مطلقا يقيد مواقفه ويشل حقوقه،إذ بإمكانه متابعة تنفيذ الالتزامات والعهود التي بمقتضاها اختار من يمثله ،مما يعني أن المشاركة فعل قبلي وبعدي،أي أنه يتحقق قبل الانتخابات، وأثناءها ،وبعدها. فقبل الانتخابات تتطلب المشاركة المساهمة في تأطير المواطنين ونتشئتهم ديمقراطيا،وتحفيزهم على التسجيل في اللوائح الانتخابية ومراجعتها، وتوعيتهم بكيفية ممارسة حقهم في التصويت باعتباره الضامن لسيادة الأمة ،وكيفية تسجيل الخروقات في حالة ملاحظتها .
أما أثناء الانتخابات فإن المشاركة السياسية تتطلب المساهمة في التعبئة عن طريق دعم المرشحين الذين يتم الاقتناع ببرنامجهم، أو الذين تتجاوب مرجعياتهم مع الاقتناعات الخاصة، والحرص على فتح حوار مع المواطنين من أجل إقناعهم بما يعتبره التوجه الأسلم، مع القبول بالنتائج التي يفرزها الاقتراع. بذلك تكون المشاركة فعلا إيجابيا ومسؤولا يمتد إلى مابعد الانتخابات من خلال تقييم الأداء الحزبي ، وتتبع أداء المنتخبين لبرامجهم ،ومساءلتهم ،وتقديم الاقتراحات خدمة للمصلحة العامة.
لاشك أن هذه المراحل مجتمعة هي التي تجعل المشاركة بناءة، وتجعل التأثير في السياسات العمومية فعالا، فأهمية لحظة الانتخابات، مثلا، لاتكمن في ذاتها، أو في نتائجها ،بل فيما ستضيفه من قيم ديمقراطية تعكس تشبع المواطن بقيم التعايش مع الآخرين والاعتراف بحقه في التواجد والمشاركة ضمن تصور منفتح يعتبر المصلحة العامة أسمى من الانتماء الحزبي أو الاقتناع الفكري.وأن النجاح الحقيقي هو ذلك الذي يتجلى في ممارسة ديمقراطية سليمة خالية من الشوائب والمعوقات.
5 . المشاركة في المجتمع المدني
يحق للمواطن أن يشارك في الحياة العامة ،وأن ينتمي لما يعتبره إطارا مدنيا يتجاوب مع اقتناعاته. ذلك أن هيئات المجتمع المدني تتنوع بتنوع أهدافها ووسائل تحقيقها،فمنها من يختار منطق المرافعة،ومنها من يختار منطق التكوين، ومنها من يصنف نفسه في إطار تنموي،ومنها من يعتبر كل هذه العناصر مشكلة لهويته. وإلى جانب هذا التصنيف يمكن تحديد الجمعيات بحسب موضوع اهتمامها، فهناك جمعيات حقوق الإنسان، والمنظمات البيئية والنسائية والخيرية والشبابية والمهنية وجمعيات الأحياء، وغيرها.وهذا التنوع يعكس دينامية العمل الجمعوي ويبين أهميته في المجتمع ودوره التنموي والتأطيري، إذ يمكن من خلاله إنجاز عمليات التنشئة الاجتماعية والسياسية والتربوية التي تسمح للمواطن بمشاركة فعالة في الحياة العامة. والواقع أن دور الجمعيات أساسي في تحقيق التنمية الديمقراطية التي تعني تنمية قدرات المواطن وكفاياته بما يسمح له باتخاذ القرار والمشاركة فيه سواء في المجالات الخاصة أو العامة . وإذا كان هذا التعريف يرتكز على الدور التأطيري للعمل الجمعوي ،فإن تعريفا آخر يجعل التنمية حقا من حقوق المواطن لايجوز التصرف فيه ،وهو حق إنساني يسمح لكل شخص، ولكل الشعوب بالمشاركة والمساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ،وهو مفهوم مستمد من إعلان الحق في التنمية الصادر سنة 1986.
يمكننا اعتمادا على التحديدات السابقة تقديم مثالين لعلاقة الجمعيات بالمشاركة في الحياة العامة؛ يتعلق المثال الأول بجمعيات ذات اهتمام بقضايا تنموية وطنية تهم التأطير الحقوقي والاقتصادي والاجتماعي والتربوي،ويتعلق المثال الثاني بجمعيات ذات اهتمام بقضايا محلية أبرز مظاهرها جمعيات الأحياء التي تختزل فضاء اشتغالها في رقعة جغرافية يتم التحكم في طبيعة مشاكلها وحاجاتها،وقرب العاملين فيها من المواطن ،وامتلاكهم للقدرات البداغوجية الأساسية التي تسمح بالتواصل الفعال.وتجد هذه الجمعيات مرجعياتها في خطاب مابعد حداثي يدافع عن ديمقراطية تشاركية ،وهي تقوم بأدوار تأطيرية نابعة من طبيعة المشاكل المطروحة ،ويمكنها أن تشكل محاورا جيدا للمنتخبين والسلطات بتهيئ المطالب ومتابعة تنفيذها، أو إنجاز الدراسات التي تشكل المرجع الأساس لكل راغب في التدخل في واحد من المجالات الاجتماعية أوالاقتصادية أو البيئية أو التربوية.
وإذا أردنا تلخيص الأدوار الأساسية التي يمكن أن تنجزها الجمعيات المحلية ،فإننا نختزلها في مبدأ المشاركة اليومية والمباشرة سواء من خلال قدراتها التعبوية المتمثلة في التمهير على حسن التدبير والتأهيل القانوني والاقتصادي والثقافي،أو من خلال توجهها المباشر إلى مواطن التوتر من أجل سد مشكل محدد وتجاوزها نقد الواقع إلى الفعل فيه، وامتلاكها القدرة التي تحويل الأزمة إلى دينامية ،واستثمار الخبرات المحلية.
5. الشباب والمشاركة في الحياة العامة
تعتبر المشاركة العامة حقا دستوريا وقانونينا فقد أكدت المادة 21من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على حق كل فرد في المشاركة في إدارة الشؤون العامة لبلاده بشكل مباشر أوعن طريق الاختيار الحر لممثليه،وأن لكل شخص الحقوق ذاتها التي لغيره في تقلد الوظائف العامة في البلاد ،وأن إرادة الشعب هي مصدر السلطات يعبر عنها بانتخابات نزيهة ودورية .غير أن هذه النصوص تبقى بدون فعالية مالم يتشبع المواطن بروح المشاركة وأهميتها بالنسبة لمجتمعه ولذاته،وهو ما يعني وجود الحاجة المستمرة للتنشئة الديمقراطية التي تقع مهمتها على عاتق الأحزاب وهيآت المجتمع المدني ومؤسسات الدولة ،وإذاكان هذا الأمر يهم المواطنين عموما، فإن فئة الشباب أكثر حضورا فيه لاعتبارا ت متعددة؛ أهمها أنه يمثل فئة واسعة من فئات المجتمع ،ويتميز بمواصفات معرفية وسكلوجية تجعله أكثر قدرة على طرح التساؤلات بجرأة مصحوبة بالرغبة في التطوير وتحقيق القيم النبيلة؛ مثل العدالة والمساواة والرفاه الاجتماعي والشغل ،إضافة إلى حافز تحقيق الطموح الذاتي المشروع بتجديد النخب ،وتعزيز قيم الديمقراطية والحداثة .
عندما ننقل هذا المستوى النظري إلى الممارسة الميدانية تفاجئنا أحكام كثيرة تتحدث عن العزوف عن مشاركة الشباب في الحياة العامة،وعدم اكثراته بها ،وهي أحكام تحتاج إلى تمحيص ومقاربة متعددة المجالات ،إذ كثيرا مايتم ربط هذا العزوف بنسبة المشاركة في الانتخابات،بينما الأسلم اعتبار الانتخابات محطة لعمل سابق تقوم به الأحزاب وهيأت المجتمع المدني ومؤسسات الدولة. ورغم ذلك يمكننا التعامل مع الظاهرة باعتبارها معطى تاريخي أفرزته عوامل معقدة ومركبة لم يعد اليوم ما يشفع للمتذرع بها أن يعتمدها حجة وبرهانا،فقد تم تخفيض سن المشاركة ،وتمت الدعوة إلى التنصيص على نسبة محددة للشباب في الأحزاب،وتم تسطير مذكرات وزارية تلزم المؤسسات التعليمية والجامعية بإشراك التلاميذ والطلبة في كل ما يتعلق بتدبير الحياة المدرسية أو المؤسسة الجامعية، وعيا من المشرع بأهمية مشاركة الشباب في اتخاذ القرار، وتحفيزه على ذلك ، إذ من المحال تصور نمو سليم ومطرد للسيرورة الديمقراطية في غياب مشاركة كمية ونوعية للمواطنين تعكس انشغالهم وحرصهم على الدفاع عنها ،لكن الحماس والطموح ينبغي أن يقرنا بوعي نقدي متشبع بمعرفة بقضايا المجتمع وخصوصياته،فلكي تكون المشاركة مجدية يفترض في صاحبها أن يكون مواكبا لحيوية المجتمع في ديناميته العامة، فقضايا المغرب، اليوم ،لم تعد هي نفسها تلك التي طرحت منذ فترة الاستقلال إلى أواخر التسعينيات، فداخل محيطنا العام هناك، اليوم، مناقشة لكل القضايا الحيوية؛ بدءا بموضوع المصالحة الوطنية ووضعية المرأة، والتعليم، والهوية، ودور الأحزاب، وكيفية تفعيل التنمية البشرية ،وغيرها من الأوراش التي تتطلب من المشارك في الحياة العامة مواكبة لها كي يعبر عن رأيه فيها من خلال القنوات التي يختارها ،والتي قد تكون رأيا مكتوبا في وسيلة إعلامية، أو مشاركة في ندوة ،أو الانخراط في عمل جمعوي ،أو حزبي دون أن يعني ذلك أنه مدعو إلى تبني كل ما يقدم له،ففي الكثير من الأحيان يكون الرأي المنتقد فعالا لأنه ينبه إلى العيوب والمزالق ،ويشكل قيمة مضافة لما يقدم أو ينجز،لذلك أكدنا أن مفهوم المشاركة أعم من حصرها في العملية الانتخابية رغم أهميتها وقيمتها الاعتبارية. ذلك أن الديمقراطية ممارسة يومية تتجلى في السلوك اليومي للمواطن،كما أنها مسار طويل ومركب تبرزه الممارسات الحزبية والجمعوية والحكومية عبر احترامها للإجرات القانونية، وتفعيلها لكثلة الحقوق،في إطار تفاعل مستمر بين الحق والواجب.
خاتمة

المشاركة في الحياة العامة حق وواجب،لذلك فإنها تقف على النقيض من المنطق الأحادي والاتجاه المغلق ،إنها ليست امتلاك كل شيء أو لاشيء،بل هي مسألة ترتبط بمدى قدرة المواطنين،وضمنهم الشباب،على ممارسة تأثيرهم على سير السياسة العامة وصانعي القرار للحصول على تطبيق أسلم لمبادئها، واقتناعهم أنه كلما زادت مساحة الديمقراطية ،تقلصت مساحة التطرف. ذلك أن الدروس المستفادة من المشاركة قد تكون أهم من المشاركة ذاتها، إذ بواسطتها ندرك أن الديمقراطية مشروع إجرائي وقيمي وثقافي يسمح بتنظيم الاختلاف داخل المجتمع وترشيده.ويعكس قدرة النظام على استيعاب ضغوط التدافع والتصارع والتنافس بين الأفكار والمؤسسات المختلفة بشكل سلمي ،ومعنى ذلك أن المشاركة تتحول من وسيلة إلى آلية لإنتاج الذهنية الديمقراطية وإشاعتها.
المداخلة التي قدمت المؤتمر الثاني للإصلاح والديمقراطية في العالم العربي، الدوحة،27،29ماي 2007

الشباب والانتقال الديمقراطي

الشباب المغربي والانتقال الديمقراطي
جمال بندحمان
 تقر الكثير من الدراسات بأهمية الشباب في كل عمليات التحول التي تعرفها المجتمعات، فسواء أتعلق الأمر بالتنمية الاقتصادية أم الاجتماعية أم التحول الديمقراطي فإن الكيفية التي يتم بها إدماج الشباب في الموضوع تعد حاسمة في تحديد مدى وجود إرادة حقيقية لتحقيق ذلك. والمغرب الذي أصبح مفهوم الانتقال الديمقراطي جزءا من قاموسه السياسي منذ تسعينيات القرن الماضي جعل الشباب جزءا من منظومة نقاشه العمومي، فقد أكد قانون الأحزاب على ضرورة تخصيص نسبة معينة للشباب، كما تم تخفيض سن التصويت إلى 18سنة بما يسمح للشباب بالمشاركة في كل العمليات الانتخابية الممكنة. وفي الإطار نفسه عرفت دينامية الاشتغال في قضايا الشباب أهمية لدى الفاعلين السياسيين والاجتماعيين والباحثين وهيآت المجتمع المدني، لكن في مقابل هذا الإقرار بأهمية الشباب في كل انتقال ديمقراطي ووجود نصوص تشريعية تفسح المجال أمام المشاركة، نجد أحكاما عامة تؤكد عزوف الشباب عن المساهمة في كل الديناميات التي يعرفها المجتمع، غير أن هذه الأحكام كثيرا ما افتقدت إلى المرجعيات العلمية والدراسات الميدانية، مثل معرفة عدد الشباب المنخرطين في الأحزاب أو الجمعيات أو الذين شاركوا في الاستحقاقات الانتخابية. وأمام هذا الخصاص برزت خلال السنوات الأخيرة دينامية متعددة الأبعاد لاتكتفي بتقديم الأحكام بل تبحث في الأسباب وتحدد كيفيات إدماج الشباب في كل المقاربات التي تتوخى المساهمة في إنجاح الشروط الممكنة لتحصيل انتقال ديمقراطي حقيقي .
هكدا صدرت خلال الفترات الأخيرة تقارير ودراسات ميدانية وأنجزت برامج مدنية تحاول تحديد الأدوار التي يمكن أن يضطلع بها الشباب في سياق حديث عام عن انتقال ديمقراطي ممكن التحقق.فقد صدر تقرير رسمي أنجزه باحثون مغاربة مستقلون وتم تعميمه على نطاق واسع أطلق عليه : تقرير 50 سنة من التنمية البشرية بالمغرب و آفاق 2025 ، تناول قضايا التنمية بالمغرب زضمنها الحديث عن الشباب وأدواره الممكنة، فقد طرح التقرير تساؤلا عميقا هو: هل للمجتمع المغربي  ما يكفي من الثقة في شبابه لكي يستطيع أخد أوراش تنمية البلاد على عاتقه ؟ .
وفي جوابه، اعترف التقرير بالعجز الكبير الذي يسجله المغرب في التعامل مع قضايا شبابه انطلاقا من غياب  معرفة دقيقة بهذه الفئة، وصولا إلى القصور في عملية إدماج الشباب في كل العمليات التنموية،  كما أوصى التقرير بأن على المغرب أن يكون في انسجام مع شبيبته، وأن تتسم سياسة إدماجه بالشمولية وتعدد الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وفي إطار مغاير أشرفت جمعية منتدى المواطنة  على إنجاز برنامج الحوار الشبابي من أجل المغرب الممكن بتعاون مع وكالة التنمية الاجتماعية وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية بالمغرب، شارك فيه 1200شابا وشابة، واستمر سنة كاملة أفضت مناقشة ورشاتها إلى مجموعة من الخلاصات الأساسية المتعلقة بمدى مشاركة الشباب في القرار السياسي، وفي تفعيل الديمقراطية ورؤية الشباب الذاتية لكيفية المشاركة في صنع القرار السياسي والاقتصادي، حيث تم التأكيد على ربط  مستقبل المغرب بمدى انخراط الشباب في عملية التنمية. والملاحظ أن الخلاصات التي انتهى إليها الحوار الشبابي تقر بأن مسألة تشبيب الهيآت المدنية والسياسية والاقتصادية مسألة أساسية وهو ما يمثل إحدى المؤاخذات الأساسية على طبيعة المشهد الحزبي والجمعوي، وأن دعم وتأهيل قدرات الحركة الشبابية من خلال الدعم المالي والتكويني والتأطيري والمؤسساتي للمنظمات الشبابية هي العوامل التي يمكن أن تسهل عملية تنظيم الشباب وتأطيره سياسيا، واعتبرت مختلف الآراء الشبابية أن الخيار الديمقراطي وبناء المؤسسات الديمقراطية وترسيخ قيم المواطنة أمور حتمية لبناء المستقبل ونجاح الانتقال الديمقراطي، وأن انخراط الشباب في المسلسل الديمقراطي عبر ولوج المؤسسات والهيآت المنتخبة هو ما يمكن أن يعضد ويعمق فرص نجاح التجربة الديمقراطية.
  ومن ناحية ثانية أكدت خلاصات النقاش الوطني ضرورة تعميق الممارسة الديمقراطية داخل الأجهزة الحزبية و المدنية وفي الفضاءات العامة الأخرى. وألحت كثيرا على ضرورة وضع المزيد من الضمانات من أجل شفافية عمليات الاقتراع في المغرب ومحاربة استعمال المال في شراء الأصوات. وقد تبين من خلال رصد المواقف الشبابية وجود وعي سياسي ورغبة في الاندماج في مسلسل الانتقال الديمقراطي مع التوقف عند الحدود النظرية لذلك مما يعكس نوع التفكير المهيمن لدى الشباب والذي تطبعه في الكثير من المواقف نبرات التشكيك والتردد، ولعل ما يؤكد وجود وعي لدى الشباب بالقضايا الحيوية التي تهم وضع الانتقال الديمقراطي بالمغرب هو النتائج التي وصلت إليها دراسة جد حديثة أنجزها مجموعة من الباحثين حول القيم والممارسات الدينية في المغرب حيث خلصت إلى جملة من النتائج همت تعامل الشباب مع الصلاة والتعبد والإرث وكذا رأيهم في علاقة الدين والسياسة. وقد شملت الدراسة 1156 مواطنا، شكلت نسبة الرجال منهم 47.3 في المائة، والنساء52.7 في المائة، وبلغت نسبة الشباب أقل من 25 سنة 28.3 في المائة.     وقد اعتبرت نسبة 14 في المائة من الشباب أن الدين شأن فردي، وأكد  56،7 في المائة منهم أن شباب اليوم أكثر معرفة بالدين من جيل الشباب السابق، وأكدت الدراسة أن التوجه السياسي أو التدين المسيس يزداد كلما نزلنا في الفئة العمرية من الكبار إلى الشباب، أي أن الشباب المتدين أكثر اهتماما بالقضايا السياسية ، أي بجوهر ما يمكن أن يشكل دعامة أساسية لكل تحول ديمقراطي.
تؤكد العناصر السابقة أهمية إدماج الشباب في كل ما يهم تدبير الشأن السياسي والاقتصادي ضمانا لتحقيق انتقال ديمقراطي ناجح، وأن فتح النقاش العمومي في قضايا الشباب ينبغي أن يتم بلسانه وليس بالوكالة عنه.
       المرصد الديمقراطي، السنة الثالثة ، ع، الثاني ، أبريل 2008

الأمازيغية:شرعية الثقافي واختلالات السياسي

الأما زيغية: شرعية الثقافي واختلالات السياسي
جمال بندحمان


    يعرف المغرب منذ عقود نقاشات تطال قضايا التعدد اللغوي والثقافي كان أبرز وجوهها بروز تيار ثقافي أمازيغي ربط المطالب بقضايا خلافية مثل الهوية ومكوناتها وانتهى إلى المطالبة بجعل الأمازيغية لغة وطنية ورسمية في دستور تتم المطالبة بجعله ديمقراطيا، وقد ترتب عن ذلك تبني حركات مدنية وسياسية هذه المطالب، مما حول مسار موضوع الأمازيغية من الإطار الثقافي إلى السياسي. ورغم أن الدولة أبدت مرونة كبرى في التعامل مع الموضوع بمأسسة الإطار الثقافي المحتضن للثقافة الأمازيغية من خلال تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، فإن حدة المطالب تزداد اليوم بصورة راديكالية قد تكون لها انعكاسات سلبية ما لم تتم معالجة الموضوع برؤية ديمقراطية ضمن مشروع مجتمعي متكامل ومنفتح قائم على الحوار الذي يجعل الوطن سقفا للاختلاف الذي لاينبغي تجاوزه.
إن هذه الرؤية هي التي تحكم تصورنا للموضوع ومناقشتنا له انطلاقا من تحديد ثلاثة مداخل أساسية:
أولا: المدخل المنهجي
   نقصد به الصيغ المعتمدة في تفعيل مطلب دسترة الأمازيغية، والطرق التي تواكبه سواء من قبل الحركة الأمازيغية أو الجمعيات الحقوقية، والتي نسجل بصددها جملة ملاحظات:
1. لا يربط مطلب دسترة الأمازيغية بتصور منهجي شمولي مقترن بتصور مجتمعي متكامل أو بتعاقد جديد تتفاعل ضمنه مختلف المطالب الجزئية. كما أن منهجية المطالبة والتدبير في المجال اللغوي بالمغرب لا لاتحقق ما نصطلح عليه بالديمقراطية اللسانية. صورة ذلك أن المغرب يشتغل بأكثر من رأس تشريعي لغوي، فالدستور يتحدث عن رسمية اللغة العربية، والميثاق الوطني للتربية والتكوين تحدث عن تعدد لغوي، والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية شرع لاختيار حرف تيفناغ وكان قراره ملزما للمغاربة، ولم يخضع للمسار الذي ينبغي أن يتحرك ضمنه كل تشريع والذي يضمن له صفة التشريع الديمقراطي الذي لا يمنح اللجان و المعاهد الصفة التشريعية الملزمة.
2. تعتمد هذه الصيغ في العادة على التعبئة من أجل المطالب وتغيب التعبئة على الحلول، وهي منهجية لها مخاطرها لأنها تسمح بضياع بوصلة التحليل، و تغيب آلية التوافق والتفاوض بتبني اختيارات نهائية في مجال نسبي بامتياز. ذلك أن مجال الحقوق الثقافية واللغوية هومجال الشك التعريفي والمنهجي، ومجال النسبيات. ولذلك فإن شق هذه الحقوق هو الشق الوحيد من حقوق الإنسان الذي يتصدى لكل محاولات الإغلاق أو اليقينيات الثابتة.
ثانيا: المدخل المعرفي
   يعيش المغرب اليوم نقاشا حول قضايا مصيرية وجوهرية تهم مكانة الدين في المجتمع ووضع اللغة والثقافة والعدالة الاجتماعية، وتخليق الحياة العامة والمشروع التربوي المجتمعي، وغيرها من المواضيع التي تؤكد مناقشتها أن المبادئ والأسس التي قامت عليها منظومتنا المجتمعية والسياسية والثقافية لم تعد كافية، ولامقنعة، ولا موضوع إجماع وطني واسع. وأن الأطر الثقافية والرمزية التي عشناها أصبحت منهكة وفي حاجة إلى جرعات إنعاش، أو استبدال كلي حسب ما يمكن أن يقرره المغاربة، وليس فئة واحدة منهم.
تبرز داخل هذا النقاش قضايا الهوية التي تتباين بشأنها الأطروحات، إذ هناك من يعتبر أن الهوية الثقافية سابقة على الهوية السياسية، وأن الأولى معطاة والثانية مبنية. وبالفعل فإن الهوية السياسية تبحث عن مرتكزها في الهوية الثقافية، لأن الهوية السياسية ابنة أوضاع أكثر مما هي ذاكرة فردية أو جماعية ملزمة وضرورية. من هنا فإن الكثير من المفاهيم والمصطلحات التي تروج في الخطاب الأمازيغي تحتاج إلى تعميق نظري يستحضر الأبعاد الاجتماعية والسياسية والنفسية..ويكفي أن نذكر مفاهيم مثل) الشعب الأمازيغي، تقرير المصير، العنصرية، التمييز العنصري، الحكم الذاتي، الغزاة العرب.... (وهي مفاهيم تروج لخطاب تقسيمي، لأن ذلك سيقود إلى الحديث عن الشعب العربي والشعب الأندلسي والشعب الإفريقي...وهكذا يصبح المطلب مدخلا إلى التجزيء والطائفية القائمة على أسس هوياتية متخيلة، مادام الحديث عن هوية صافية مجرد ضرب من الميتافيزيقا والخيال،بل إن المزايدات السياسية دفعت البعض إلى الارتماء في أحضان إسرائيل، والبحث عن الشرعية بالحج إليها باعتبارها قبلة بديلة.
وفي ارتباط بموضوع الهوية تطرح المطالب تضمين الدستور بنودا تتعلق بنوع النظام الإداري ومكانة الدين ،وترسيخ الأعراف الأمازيغية بشكل قانوني . ومثل هذه القضايا لاتحسم فيها المطالب فقط، بل تساهم في بلورة تصوراتها الاجتهادات المعرفية، مع الانتباه إلى أن الخطاب الأمازيغي الذي يتبنى قيم الحداثة يروج لخطاب القبيلة ولخطاب سلفي ، ما دامت السلفية هي ذلك الفكر الذي يؤمن بأن حلول الماضي صالحة لحل مشاكل الحاضر. فالحديث عن الأعراف، مثلا، هو نوع من هذه السلفية التي ترتدي لباس الحداثة، والباحثة عن مشروعية إعادة قراءة التاريخ المغربي الحديث قراءة جديدة تلغي مفهوم الظهير البربري بإعادة الاعتبار لشرعية الأعراف.
ثالثا: المدخل الحقوقي
   نقصد به الطبيعة الحقوقية لمطلب الدسترة والذي يستدعي الإجابة عن أسئلة من قبيل: ما العلاقة بين ترسيم لغة ما وهوية المجتمع ؟ وهل يعد ترسيم لغة ما تفعيلا لمبادئ حقوق الإنسان؟ وهل يعد عدم ترسيمها خرقا لمبادئ حقوق الإنسان؟.
    تتطلب الإجابة عن مثل هذه الأسئلة استحضار تجارب دول أخرى، أو هيآت معترف لها بالمصداقية والدفاع عن حقوق الإنسان، كما يتطلب استحضار المطالب التي تقدمها الكثير من الحركات الأمازيغية. لكن هذا الاستحضار من قبلنا مقيد بشروط نعتبرها أساسية، ذلك أن المطالب حق مشروع يؤكد حيوية الحركات الاجتماعية والمدنية والسياسية، وفي حالتنا فإن المبدأ يعني مشروعية المطالب في جزئها الإجرائي باعتبارها اقتناعات لمواطنين مغاربة، لكن مضامين هذه المطالب هي أساس نقاشنا. فقد انتقلت مطالب الحركات الأمازيغية، من مطلب الإقرار بالهوية إلى المطالبة بصفة اللغة الوطنية وصولا إلى المطالبة بصفتي اللغة الوطنية والرسمية وعدم إدماج البعد الديني في نص الدستور.
لنقارب، إذن، مطلب ترسيم الأمازيغية في علاقته بالهوية أولا، ثم نتبع ذلك بالحديث عن علاقته بحقوق الإنسان حيث نقدم طرحا يرى أن مبدأ ترسيم لغة ما لايمت بصلة إلى الهوية وقضاياها، فالكثير من الدول التي اختارت لغاتها الرسمية لم تخترها بناء على معيار الهوية، بل على معايير الوظيفية الاقتصادية والإدارية والتواصلية والدولية.أما ربط الترسيم بحقوق الإنسان ففيه الكثير من النظر، ويكفي أن نستحضر اختيارات الأمم المتحدة للتدليل على ذلك، فالأمم المتحدة باعتبارها كيانا معنويا يضم هويات مختلفة هي الدول المنتمية إليها، والتي تفوق 190 دولة اختارت 6 لغات رسمية ضمنها اللغة العربية الفصحى، استنادا إلى معايير محددة، مثل معيار عدد الناطقين بهذه اللغات أو المعيار الوظيفي أو المعيار الاقتصادي. وهذا الاختيار لم يكن محل طعن في مدى تشبث الأمم المتحدة بحقوق الإنسان، وهي صاحبة المواثيق الدولية التي يحتكم إليها المقتنعون بالحقوق الإنسانية وضمنها الحقوق الثقافية واللغوية.
* من الناحية المبدئية،إذن،موضوع ترسيم لغة ما لاعلاقة له بالهوية وقضاياها، بل إنه مرتبط بالوظيفية، لأن اللغة الرسمية هي لغة العمل.ومن الناحية العملية،فإن ترسيم لغة ما أو عدة لغات هي قضية إمكانات مادية واقتصادية ووظائف دولية. ويمكن في هذا الصدد الإطلاع على التجربة الكندية أو البلجيكية.و
من الناحية الحقوقية لايمكن الجزم بالتعالق بين حقوق الإنسان والترسيم. ورغم كل ذلك نقول بأن من حق كل مواطن مغربي أن يطالب بما يراه متجاوبا مع ما يعتبره في لحظة تاريخية ما مكونا لهويته، لكن ذلك لايعني أن المطالب ينبغي أن تبنى على حقوق الآخرين، أي أن فئة من المغاربة تطالب بحقوقها وتجعل جزءا من مشروعية مطالبها مؤسسا على الدعوة إلى اغتيال جزء من مكونات الهوية المغربية، وإلا فما معنى خلق تقابل غير مسوغ بين العربية والأمازيغية، وانتقاد العربية بشكل فج يصل حد التجريح والتنقيص ؟ لنترك هذه الأسئلة التي تحمل مضمراتها ولننتقل إلى مناقشة مطلب التوطين، أي المطلب الداعي إلى جعل الأمازيغية لغة وطنية.
لغة وطنية أم لغات وطنية؟
  لاشك أن من بين القضايا الأساسية التي ينبغي تداولها اليوم بشكل ديمقراطي وبانفتاح معرفي وأفق وطني قضية اللغة الوطنية، حيث يتم الإقرار بوجود تعدد لسني بالمغرب يقوم على وجود عربية فصحى ولغة حسانية ودوارج مغربية وأمازيغيات مغربية هي تشلحيت وتريفيت وتمزيغت، مع الأخذ بعين الاعتبار الحضور المهيمن للفرنسية في دوالب الإدارة المغربية، ومجال الاقتصاد الوطني، وحضور تواصلي للإسبانية بشمال المغرب .
بداية لنلاحظ أن مطلب جعل الأمازيغية لغة وطنية في دستور ديمقراطي يستند إلى جملة معايير ضمنها أنها لغة الأم، ولغة الهوية الأمازيغية. لكن لنلاحظ أيضا أن هذين المعيارين ينطبقان على الدوارج المغربية، وعلى الحسانية بامتياز، فالدوارج المغربية هي لغات الأم بالنسبة للكثير من المغاربة. ولذلك لم يكن مستغربا أن نجد اليوم من يدعو إلى جعلها لغات الإعلام الأولى، بل إننا نجد في بلد مثل مصر دعوات مماثلة تدعو إلى تأسيس معهد لدراسة العامية المصرية، بل ود سترتها أيضا. ورغم أن الخلفيات الموجهة لهذا النقاش ذات أبعاد وأهداف أخرى، فإننا نقر بحق أصحابها في الدعوة إلى ما يرونه معبرا عن وجهة نظرهم. أما الحسانية فإن وضعها باعتبارها لغة الأم لايجادل فيه إلا معاند. وإذا أردنا أن نضيف معيار الجهوية، الذي يرد في بعض الخطابات الأمازيغية، سننتهي إلى كون الجهوية تنطبق كذلك على باقي اللغات الوطنية. ولذلك فإن مطلبي التوطين والجهوية ينبغي أن يستحضرا هذه الأبعاد مجتمعة.
عندما نخصص الحديث عن الأمازيغية فإننا ننبه إلى أننا نأخذها بصيغة الجمع، إذ نحن أمام تعدد لسني تؤكده الأمازيغيات الثلاث، وعندما نستحضر هذا المعطى يصبح الحديث عن ترسيم الأمازيغية في وضع محرج، إذ كيف ندعو إلى ترسيم لغة غير موجودة لحد الآن ؟ هل ندستر لغة افتراضية ستوحد المتعدد؟ من هنا نفهم أبعاد السؤال الذي طرحه أحمد بوكوس مدير المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية:هل ندستر الأمازيغية قبل تأهيلها أم نعتبر أن الدسترة شرط من شروط تأهيلها؟
وهذا التساؤل الموضوعي يعني أن الأمازيغية المفترضة، والتي هي أمازيغية موحدة وممعيرة هي إنتاج مجهود يسعى المعهد إلى إنتاجه، علما بأنه مطلب قديم تحدث عنه مؤرخون ولسانيون مثل الجزائري سالم شاكر. وبغض النظر عن طبيعة هذا التوحيد والمعيرة، فإن أسئلة كثيرة تطرح على الداعين إليها والساهرين عليها مثلما هي مطروحة على كل المغاربة، كما أنها تجعل الخطاب الأمازيغي في مأزق نظري أساسي. فقد بنى هذا الخطاب طروحاته على ثنائية التنوع والوحدة، والحال أن مبدأ المعيرة هو إقصاء لهذا التعدد، كما أنه سيحول الأمازيغيات إلى أمازيغية واحدة تتميز بكونها أما زيغية فصحى سيكون لها من الخصائص ما للعربية الفصحى التي كثيرا ما انتقدها الخطاب الأمازيغي المطالب بالإجابة عن سؤالين هما: كيف نضمن التنوع الذي لايفضي إلى التشتت؟وكيف نحافظ على الوحدة التي لاتقوم على القسر والقهر؟ .
 جمال بندحمان