dimanche 10 octobre 2010

الديمقراطية وأنماط المشاركة في تدبير الشأن العام

الديمقراطية وأنماط المشاركة في تدبير الشأن العام
جمال بندحمان
تقديم
(لا ديمقراطية بدون مواطنة ولا مواطنة بدون ديمقراطية)،بهذه المعادلة يرسم آلان تورين طبيعة العلاقة التي تربط المواطنة بالديمقراطية،إذ هما وجهان لعملة واحدة . فالمواطنة باعتبارها حياة جماعية قائمة على روابط تشريعية وسياسية وثقافية وإنسانية، وإطارا تتحقق من خلاله الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية اللازمة لممارسة الحرية والمساواة والعدالة ،لايمكن أن تصبح فعالة وبناءة إلا بإعمالها ،وهذا الإعمال يتحقق عن طريق مشاركة كل فرد في تدبير شؤون مجتمعه وإقليمه وحيه بإبداء الرأي، والقيام بمبادرات تهدف إلى تحقيق المنفعة العامة ،والمشاركة باعتباره ناخبا أو مرشحا في اختيار نوع السلطة التي يجب أن يخضع لها المجتمع. .
تسمح المشاركة بثتبيت الديمقراطية،لذلك فإنها تحتاج إلى بناء اجتماعي مقترن بالحركات الجمعوية، والمبادرات الجماعية المؤطرة ،أو الفردية المسؤولة ،كما أنها سلوك وممارسة يتمظهران في المشاركة في الحياة العامة.
1. من المشاركة الامتيازية إلى حق المشاركة
قطعت البشرية مسارا طويلا من أجل تحويل المشاركة من امتياز يمنح للبعض إلى حق لكل مواطن بغض النظر عن نوعه أو عرقه أو وضعه الاجتماعي،فقد قامت مواطنة أثينا وروما على جعل صفة الأهلية القانونية حقا رجوليا ،وحرمت منه النساء ،بينما شكل عصر الأنوار مرحلة تحول بجعل المواطنة حقا إنسانيا يتمتع به الجميع على قدم المساواة ،وجعلته الثورة الفرنسية حقا قانونيا وسياسيا بإعلانها حقوق الإنسان والمواطن.فما المقصود بالمشاركة؟
يقصد بالمشاركة في الحياة العامة مساهمة الأفراد في تدبير شؤون مجتمعهم، وإبداء الرأي ،والقيام بمبادرات تهدف إلى تحقيق المنفعة محليا ووطنيا. ويندرج حق المشاركة ضمن الحريات السياسية ،غير أن مفهوم المشاركة يتجاوز كونها مجرد حق ،إذ هي ثقافة تقع على النقيض من ثقافة عدم الاكثرات واليأس والعزوف،مما يعني حاجة كل مجتمع إلى ترسيخها عن طريق التنشئة الديمقراطية القائمة على أسس التعبئة والتكوين المستمرين،ذلك أن قوة الديمقراطية تكمن في إرادة المواطنين للعمل المسؤول في الحياة العامة والمشاركة مع غيرهم في التدبير العمومي، واختيار من يمثلهم،وتقييم أدائهم ،وهذه العمليات مجتمعة هي التي حدت بالمنظرين للديمقراطية للحديث عن) الذهنية الديمقراطية( المقترنة بالتكوين والممارسة السليمة .
2 .المشاركة مشاركات
لاتقتصر المشاركة وضرورتها على مواطن محدد،إذ هي حق للجميع ،وواجب على الجميع،لكن المشاركة مشاركات تتنوع وتتعدد وتتكامل من خلال مجموعة من الإجراءات والسلوكات والممارسات التي تشكل ميدانا خصبا لتفعيل القدرات والمهارات والكفايات،فشاب اليوم هو الأب والمربي والمسؤول والقيادي غدا،وذهنيته الديمقراطية المنفتحة هي التي تسمح له بتحويل ممارسته للمشاركة الديمقراطية إلى نموذج يحتديه مجايلوه ،أو من سيرتبط بهم. فما مجالات المشاركة التي يمكنه المساهمة فيها؟
3 .المشاركة السياسية
قد تكون المشاركة السياسية الوجه الأبرز للمفهوم،ورغم أن الكثيرين يربطونها بالانتخابات ،فإنها أوسع من ذلك. صحيح أن الانتخابات هي الآلية التي تنظم العملية الديمقراطية، لكن هذه الآلية نتيجة لمشاركات كثيرة يساهم فيها الحزبي والجمعوي والمسؤول الحكومي،بل ويساهم في التهيئ لها كل مواطن من موقعه. لذلك فإن المشاركة مبدأ عام لا يرتبط بمناسبة معينة ،وهي جهد بداغوجي ونفسي وفعل مواطنة بامتياز. ذلك أن المشارك مواطن مقتنع بمبادئ سامية ؛منها التعايش وحق الاختلاف وتقبل النقد والتفاعل مع الغير، بغض النظر عن مرجعيته أو اقتناعاته الفكرية أو السياسية.
تمارس المشاركة السياسية بعدة وسائل لعل أقربها إلى الذهن المشاركة في اختيار من يمثل المواطن في الإطارات التشريعية أو الجماعات المحلية،أي مجمل الاستحقاقات الانتخابية التي تخضع لمنطق زمني يحدده القانون،غير أن هذه المشاركة تقترن بأخريات أهمها المشاركة في الحياة الحزبية التي يتم الانخراط فيها بناء على اقتناع بمبادئها ومرجعيتها، علما بأن واحدا من أهم أدوار الأحزاب السياسية هو تأطير المواطنين بكل ماتعنيه كلمة تأطير من تكوين وتعبئة وتحفيز على المشاركة في الحياة العامة ،بل إن المشاركة تبتدئ من الحزب ذاته ،فبقدر ما تزداد فعالية مشاركة أعضائه ،تزداد النجاعة وتتقوى الهياكل وتمارس الديمقراطية في أجلى صورها من مواكبة ومتابعة ومساهمة وانتقاد وفق ما تحدده القوانين الداخلية ،والمرجعيات الحقوقية العامة والكونية.
4 .المشاركة في الانتخابات
تضع الديمقراطية حرية الاختيار فوق كل اعتبار ،حيث يفوض المجتمع سلطته للطبقة السياسية لحظة الانتخابات عن طريق التصويت ،دون أن يعني ذلك منحها تفويضا مطلقا يقيد مواقفه ويشل حقوقه،إذ بإمكانه متابعة تنفيذ الالتزامات والعهود التي بمقتضاها اختار من يمثله ،مما يعني أن المشاركة فعل قبلي وبعدي،أي أنه يتحقق قبل الانتخابات، وأثناءها ،وبعدها. فقبل الانتخابات تتطلب المشاركة المساهمة في تأطير المواطنين ونتشئتهم ديمقراطيا،وتحفيزهم على التسجيل في اللوائح الانتخابية ومراجعتها، وتوعيتهم بكيفية ممارسة حقهم في التصويت باعتباره الضامن لسيادة الأمة ،وكيفية تسجيل الخروقات في حالة ملاحظتها .
أما أثناء الانتخابات فإن المشاركة السياسية تتطلب المساهمة في التعبئة عن طريق دعم المرشحين الذين يتم الاقتناع ببرنامجهم، أو الذين تتجاوب مرجعياتهم مع الاقتناعات الخاصة، والحرص على فتح حوار مع المواطنين من أجل إقناعهم بما يعتبره التوجه الأسلم، مع القبول بالنتائج التي يفرزها الاقتراع. بذلك تكون المشاركة فعلا إيجابيا ومسؤولا يمتد إلى مابعد الانتخابات من خلال تقييم الأداء الحزبي ، وتتبع أداء المنتخبين لبرامجهم ،ومساءلتهم ،وتقديم الاقتراحات خدمة للمصلحة العامة.
لاشك أن هذه المراحل مجتمعة هي التي تجعل المشاركة بناءة، وتجعل التأثير في السياسات العمومية فعالا، فأهمية لحظة الانتخابات، مثلا، لاتكمن في ذاتها، أو في نتائجها ،بل فيما ستضيفه من قيم ديمقراطية تعكس تشبع المواطن بقيم التعايش مع الآخرين والاعتراف بحقه في التواجد والمشاركة ضمن تصور منفتح يعتبر المصلحة العامة أسمى من الانتماء الحزبي أو الاقتناع الفكري.وأن النجاح الحقيقي هو ذلك الذي يتجلى في ممارسة ديمقراطية سليمة خالية من الشوائب والمعوقات.
5 . المشاركة في المجتمع المدني
يحق للمواطن أن يشارك في الحياة العامة ،وأن ينتمي لما يعتبره إطارا مدنيا يتجاوب مع اقتناعاته. ذلك أن هيئات المجتمع المدني تتنوع بتنوع أهدافها ووسائل تحقيقها،فمنها من يختار منطق المرافعة،ومنها من يختار منطق التكوين، ومنها من يصنف نفسه في إطار تنموي،ومنها من يعتبر كل هذه العناصر مشكلة لهويته. وإلى جانب هذا التصنيف يمكن تحديد الجمعيات بحسب موضوع اهتمامها، فهناك جمعيات حقوق الإنسان، والمنظمات البيئية والنسائية والخيرية والشبابية والمهنية وجمعيات الأحياء، وغيرها.وهذا التنوع يعكس دينامية العمل الجمعوي ويبين أهميته في المجتمع ودوره التنموي والتأطيري، إذ يمكن من خلاله إنجاز عمليات التنشئة الاجتماعية والسياسية والتربوية التي تسمح للمواطن بمشاركة فعالة في الحياة العامة. والواقع أن دور الجمعيات أساسي في تحقيق التنمية الديمقراطية التي تعني تنمية قدرات المواطن وكفاياته بما يسمح له باتخاذ القرار والمشاركة فيه سواء في المجالات الخاصة أو العامة . وإذا كان هذا التعريف يرتكز على الدور التأطيري للعمل الجمعوي ،فإن تعريفا آخر يجعل التنمية حقا من حقوق المواطن لايجوز التصرف فيه ،وهو حق إنساني يسمح لكل شخص، ولكل الشعوب بالمشاركة والمساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ،وهو مفهوم مستمد من إعلان الحق في التنمية الصادر سنة 1986.
يمكننا اعتمادا على التحديدات السابقة تقديم مثالين لعلاقة الجمعيات بالمشاركة في الحياة العامة؛ يتعلق المثال الأول بجمعيات ذات اهتمام بقضايا تنموية وطنية تهم التأطير الحقوقي والاقتصادي والاجتماعي والتربوي،ويتعلق المثال الثاني بجمعيات ذات اهتمام بقضايا محلية أبرز مظاهرها جمعيات الأحياء التي تختزل فضاء اشتغالها في رقعة جغرافية يتم التحكم في طبيعة مشاكلها وحاجاتها،وقرب العاملين فيها من المواطن ،وامتلاكهم للقدرات البداغوجية الأساسية التي تسمح بالتواصل الفعال.وتجد هذه الجمعيات مرجعياتها في خطاب مابعد حداثي يدافع عن ديمقراطية تشاركية ،وهي تقوم بأدوار تأطيرية نابعة من طبيعة المشاكل المطروحة ،ويمكنها أن تشكل محاورا جيدا للمنتخبين والسلطات بتهيئ المطالب ومتابعة تنفيذها، أو إنجاز الدراسات التي تشكل المرجع الأساس لكل راغب في التدخل في واحد من المجالات الاجتماعية أوالاقتصادية أو البيئية أو التربوية.
وإذا أردنا تلخيص الأدوار الأساسية التي يمكن أن تنجزها الجمعيات المحلية ،فإننا نختزلها في مبدأ المشاركة اليومية والمباشرة سواء من خلال قدراتها التعبوية المتمثلة في التمهير على حسن التدبير والتأهيل القانوني والاقتصادي والثقافي،أو من خلال توجهها المباشر إلى مواطن التوتر من أجل سد مشكل محدد وتجاوزها نقد الواقع إلى الفعل فيه، وامتلاكها القدرة التي تحويل الأزمة إلى دينامية ،واستثمار الخبرات المحلية.
5. الشباب والمشاركة في الحياة العامة
تعتبر المشاركة العامة حقا دستوريا وقانونينا فقد أكدت المادة 21من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على حق كل فرد في المشاركة في إدارة الشؤون العامة لبلاده بشكل مباشر أوعن طريق الاختيار الحر لممثليه،وأن لكل شخص الحقوق ذاتها التي لغيره في تقلد الوظائف العامة في البلاد ،وأن إرادة الشعب هي مصدر السلطات يعبر عنها بانتخابات نزيهة ودورية .غير أن هذه النصوص تبقى بدون فعالية مالم يتشبع المواطن بروح المشاركة وأهميتها بالنسبة لمجتمعه ولذاته،وهو ما يعني وجود الحاجة المستمرة للتنشئة الديمقراطية التي تقع مهمتها على عاتق الأحزاب وهيآت المجتمع المدني ومؤسسات الدولة ،وإذاكان هذا الأمر يهم المواطنين عموما، فإن فئة الشباب أكثر حضورا فيه لاعتبارا ت متعددة؛ أهمها أنه يمثل فئة واسعة من فئات المجتمع ،ويتميز بمواصفات معرفية وسكلوجية تجعله أكثر قدرة على طرح التساؤلات بجرأة مصحوبة بالرغبة في التطوير وتحقيق القيم النبيلة؛ مثل العدالة والمساواة والرفاه الاجتماعي والشغل ،إضافة إلى حافز تحقيق الطموح الذاتي المشروع بتجديد النخب ،وتعزيز قيم الديمقراطية والحداثة .
عندما ننقل هذا المستوى النظري إلى الممارسة الميدانية تفاجئنا أحكام كثيرة تتحدث عن العزوف عن مشاركة الشباب في الحياة العامة،وعدم اكثراته بها ،وهي أحكام تحتاج إلى تمحيص ومقاربة متعددة المجالات ،إذ كثيرا مايتم ربط هذا العزوف بنسبة المشاركة في الانتخابات،بينما الأسلم اعتبار الانتخابات محطة لعمل سابق تقوم به الأحزاب وهيأت المجتمع المدني ومؤسسات الدولة. ورغم ذلك يمكننا التعامل مع الظاهرة باعتبارها معطى تاريخي أفرزته عوامل معقدة ومركبة لم يعد اليوم ما يشفع للمتذرع بها أن يعتمدها حجة وبرهانا،فقد تم تخفيض سن المشاركة ،وتمت الدعوة إلى التنصيص على نسبة محددة للشباب في الأحزاب،وتم تسطير مذكرات وزارية تلزم المؤسسات التعليمية والجامعية بإشراك التلاميذ والطلبة في كل ما يتعلق بتدبير الحياة المدرسية أو المؤسسة الجامعية، وعيا من المشرع بأهمية مشاركة الشباب في اتخاذ القرار، وتحفيزه على ذلك ، إذ من المحال تصور نمو سليم ومطرد للسيرورة الديمقراطية في غياب مشاركة كمية ونوعية للمواطنين تعكس انشغالهم وحرصهم على الدفاع عنها ،لكن الحماس والطموح ينبغي أن يقرنا بوعي نقدي متشبع بمعرفة بقضايا المجتمع وخصوصياته،فلكي تكون المشاركة مجدية يفترض في صاحبها أن يكون مواكبا لحيوية المجتمع في ديناميته العامة، فقضايا المغرب، اليوم ،لم تعد هي نفسها تلك التي طرحت منذ فترة الاستقلال إلى أواخر التسعينيات، فداخل محيطنا العام هناك، اليوم، مناقشة لكل القضايا الحيوية؛ بدءا بموضوع المصالحة الوطنية ووضعية المرأة، والتعليم، والهوية، ودور الأحزاب، وكيفية تفعيل التنمية البشرية ،وغيرها من الأوراش التي تتطلب من المشارك في الحياة العامة مواكبة لها كي يعبر عن رأيه فيها من خلال القنوات التي يختارها ،والتي قد تكون رأيا مكتوبا في وسيلة إعلامية، أو مشاركة في ندوة ،أو الانخراط في عمل جمعوي ،أو حزبي دون أن يعني ذلك أنه مدعو إلى تبني كل ما يقدم له،ففي الكثير من الأحيان يكون الرأي المنتقد فعالا لأنه ينبه إلى العيوب والمزالق ،ويشكل قيمة مضافة لما يقدم أو ينجز،لذلك أكدنا أن مفهوم المشاركة أعم من حصرها في العملية الانتخابية رغم أهميتها وقيمتها الاعتبارية. ذلك أن الديمقراطية ممارسة يومية تتجلى في السلوك اليومي للمواطن،كما أنها مسار طويل ومركب تبرزه الممارسات الحزبية والجمعوية والحكومية عبر احترامها للإجرات القانونية، وتفعيلها لكثلة الحقوق،في إطار تفاعل مستمر بين الحق والواجب.
خاتمة

المشاركة في الحياة العامة حق وواجب،لذلك فإنها تقف على النقيض من المنطق الأحادي والاتجاه المغلق ،إنها ليست امتلاك كل شيء أو لاشيء،بل هي مسألة ترتبط بمدى قدرة المواطنين،وضمنهم الشباب،على ممارسة تأثيرهم على سير السياسة العامة وصانعي القرار للحصول على تطبيق أسلم لمبادئها، واقتناعهم أنه كلما زادت مساحة الديمقراطية ،تقلصت مساحة التطرف. ذلك أن الدروس المستفادة من المشاركة قد تكون أهم من المشاركة ذاتها، إذ بواسطتها ندرك أن الديمقراطية مشروع إجرائي وقيمي وثقافي يسمح بتنظيم الاختلاف داخل المجتمع وترشيده.ويعكس قدرة النظام على استيعاب ضغوط التدافع والتصارع والتنافس بين الأفكار والمؤسسات المختلفة بشكل سلمي ،ومعنى ذلك أن المشاركة تتحول من وسيلة إلى آلية لإنتاج الذهنية الديمقراطية وإشاعتها.
المداخلة التي قدمت المؤتمر الثاني للإصلاح والديمقراطية في العالم العربي، الدوحة،27،29ماي 2007

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire