jeudi 30 septembre 2010

التعدد اللغوي بالمغرب والانتقال الديمقراطي

التعدد اللغوي بالمغرب والانتقال الديمقراطي
جمال بندحمان

 يشهد المغرب نقاشا متناميا حول قضايا جوهرية مثل التربية والثرات الثقافي ووضع الدين ودوره والسياسة اللغوية، وهي قضايا كانت مغيبة عن النقاش العمومي لكنها أصبحت جزءا منه في ظل تحولات تتناول كل ما يرتبط بالتحول المجتمعي والثقافي والديمقراطي. فقد سمحت سنوات الانفتاح التي انطلقت منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي باتساع فضاءات الحرية وتطور استقلالية الحقل الحزبي وتزايد فعالية الحركات الجمعوية وانتعاش إطارات تدافع عن حقوق الإنسان وضمنها الحقوق الثقافية والاجتماعية.
   ضمن هذا الخطاب الحقوقي أصبحت قضية اللغة مثار اختلاف كبير، فإلى وقت قريب كان الإشكال المركزي مرتبطا بهيمنة اللغة الفرنسية على دواليب الإدارة والاقتصاد وجزء كبير من الإعلام المكتوب والمسموع وكان دعاة التعدد اللغوي والثقافي يربطون تصوراتهم بضرورة احترام اللغة الرسمية للبلاد التي يقرها الدستور، وهي اللغة العربية مع ضرورة الانفتاح على اللغات الأخرى ذات النفوذ المعرفي والفعالية الوظيفية. غير أن هذا النقاش بدأ في التواري منذ تسعينيات القرن الماضي لتحل محله بدائل متشعبة تهم النسيج اللغوي المغربي المتميز بتعدده الذي يضم الدوارج المغربية والحسانية التي يتكلمها الصحراويون المغاربة، والأمازيغيات الثلاث، تاريفيت وتاشلحيت وتامازيغت، والتي تهيمن كل واحدة منها في إحدى جهات المغرب. غير أن وتيرة المطالب ظلت متباينة، ففي الوقت الذي تقوت فيه حدة الأصوات المدافعة عن الأمازيغية تخفت الأصوات المدافعة عن الحسانية، وتحضر الأصوات المدافعة عن الدارجة المغربية في الإعلام خاصة وهو ما يصفه البعض بالمؤامرة التي تستهدف إضعاف وضع العربية الفصحى.
     لقد شكلت الأمازيغية خلال السنوات الأخيرة موضوع جدل كبير، فرغم أن جزءامن مطالبها كان حاضرا منذ التسعينيات فإن تطور خطابها دفع البعض إلى ربطها بما يقع في المغرب من تحولات ديمقراطية، بينما رأى فيها آخرون تهديدا حقيقيا لتلاحم النسيج الاجتماعي المغربي، وإرهاقا للمالية العامة، وشرخا للهوية المغربية. وهي سلبيات قد تعوق المسار الديمقراطي وترهنه. فقد اقتصرت المطالب الأمازيغية في البداية على الجانبين اللساني والثقافي، لكنها تحولت إلى مطالب سياسية تنتقد منهجية الدولة في تدبيرها العام، وتتهمها بتهميش المكون الأمازيغي وإقصائه من منظومتها التربوية والدستورية ومن سياستها اللغوية، لكن بعض الخطابات نحت منحى متشددا يتهجم على اللغة العربية ويتهمها بالهيمنة التاريخية، ويدعوالعرب إلى العودة إلى مواطنهم الأولى التي وفدوا منها وترك بلاد الأمازيغ للأمازيغ ،مع تمجيد للحقبة السابقة على دخول الإسلام إلى المغرب وإعادة الاعتبار للشخصيات التي قاومته.   في حين أن جزءا آخر من هذا الخطاب ركز على ضرورة تأهيل الأمازيغية من خلال توحيدها ومعيرتها والتقنين لها والاعتراف بها في الدستور المغربي باعتبارها لغة وطنية ورسمية.
  لقد أفضى هذا النقاش إلى بروز طفرة جمعوية أمازيغية، وتأسيس حزب أمازيغي اعتبرته وزارة الداخلية حزبا غير شرعي، لأنه يخالف قانون الأحزاب الذي يرفض العرقية، كما تبنت بعض الجمعيات الحقوقية هذا المطلب. وفي مقابل ذلك ظهرت تصورات منتقدة لجزء كبير من هذه المواقف متهمة إياها بإعادة إنتاج خطاب طائفي وعرقي وإقصائي له مخاطر كبرى على الهوية المغربية التي ستصبح بدون خيط ناظم لها ، خاصة وأن جزءا من مطالب الحركات الأمازيغية بين أن الأهداف قد تتعارض مع مابنى عليه المغرب ذاته منذ قرون. فقد تبنت الدولة منذ تسعينيات القرن الماضي  جزءا كبيرا من مطالب الحركة الأمازيغية فخلقت المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية المكلف بإنتاج مختلف الأدوات الكفيلة بتطور اللغة والثقافة الأمازيغيتين، وأقرت اختياره لحرف تيفناغ لكتابتها بديلا عن الحرف العربي كي لا تربط بالعربية، كما تم إدماجها في المنظومة التعليمية، والموافقة على انطلاق قناة ناطقة بالأمازيغية مستهل شهر يناير 2008. وقد أبدت الدولة مرونة كبرى في التعامل مع هذه المطالب، لكن ذلك لم يمنع من ظهور مواقف تعتبر أن كل ذلك يبقى بدون قيمة ما لم تضمن الحماية القانونية للغة والثقافة الأمازيغية بدسترتها من خلال دستور جديد تطالب به الكثير من الجمعيات الأمازيغية، وتدمج ضمنه مطالب أخرى تتعلق بضرورة التنصيص على علمانية الدولة وإدماج الأعراف، غير أن هذه المطالب تعرضت لانتقادات كثيرة تتساءل عن كيفية التنصيص في الدستور على لغة غير موجودة مادامت الأمازيغية أمازيغيات، ومادام  تنميطها وتوحيدها لم يتحققا لحد الآن، مما يعني أن رفع سقف المطالب يهدف إلى إحراج الدولة ،وأنه ليس مطلبا واقعيا.
  لقد اعتبر الكثير من المراقبين أن موضوع اللغة يمكن أن يشكل عائقا أمام كل تنمية بشرية، وكابحا للتحول الديمقراطي ما لم تتم معالجته بطريقة عقلانية وديمقراطية وتوافقية، فقد حاولت الكثير من الحركات الأمازيغية الإيحاء بكون الصراع الجاري يتم بين الإسلاميين والأمازيغيين لجلب اهتمام أكبر بالمطالب ، كما حاولت أن توحي بكونه صراعا بين الأمازيغيين والقوميين. غير أن مثل هذه المواقف لم تكن موضوعية بقدر ما كانت مزيدات سياسية لها مخاطرها الكبيرة التي تهدد مسلسل الانتقال الديمقراطي الذي يعرفه المغرب، لأنها تقود إلى تقسيم المجتمع إلى شيع وطوائف، وتخلق هوة نفسية بين المواطنين، وتؤسس لجيل جديد يقرأ تاريخ المغرب وحاضره قراءة سلبية لاتؤمن بالحق في الاختلاف وتدبيره، كما أن تنفيذ جزء من هذه المطالب يتطلب مالية كبيرة سينم توفيرها على حساب قطاعات تنموية أخرى ، كما أن المنظومة التعليمية أصبحت تعتمد على ثلاثة أحرف تلقن للطفل في سنوات تمدرسه الأولى مما يرهق ذهنه ، إضافة إلى كون التعدد اللغوي قد يعرقل التواصل بين المغاربة الذي سيصبحون في حاجة إلى لغة أخرى تقوم بالوساطة بينهم.
المرصد الديمقراطي، السنة الثالثة، العدد الأول 2008

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire