jeudi 30 septembre 2010

المغرب: أزمة الأفق المشترك بين المرجعيات السياسية

المغرب: أزمة الأفق المشترك بين المرجعيات السياسية
جمال بندحمان
     تشكل تاريخ المغرب عبر مسار طويل تميز بانفتاح متعدد الأوجه، انفتاح جغرافي ومعرفي وهوياتي، وقد كان هذا الانفتاح دوما فضاء لإيجاد صيغ المشترك بين مختلف التوجهات والتصورات، وظلت التصنيفات أضيق من طبيعة الهيآت والمنظمات والمؤسسات. فقد كانت الحركة الوطنية ،التي واجهت الاستعمار الفرنسي، تضم مختلف التوجهات، مشكلة بذلك كتلة تاريخية ذات أهداف مشتركة، كما ضممت الأحزاب اليسارية شخصيات وازنة مثل شيخ الإسلام محمد بلعربي العلوي، مما يعني أن النسيج المرجعي المغربي نسيج للمشترك والمؤتلف.  غير أن هذا البعد التاريخي أصبح يضيق إلى الحد الذي تراجعت معه فكرة المشترك والموحد، إذ تنامت في السنوات الأخيرة دعوات إلى خلق تيارات بمرجعية أحادية تجعل الصراع مدخلا للتعامل، سواء في صيغته المرجعية أو السياسية. ففي ظرف شهر واحد تم إصدار دعوة و بيان ومبادرة تختلف من حيث طبيعة أطرافها، وتتوحد في التأكيد على وجود أزمة تهدد المسار الديمقراطي.
     فقد أصدر الأمين العام لحزب البديل الحضاري المصطفى المعتصم دعوة لفتح حوار إسلامي إسلامي يفضي إلى تبني إطار توافقي مع كل القوى الوطنية الأخرى يتمحور حول السلطة، وطريقة التداول عليها ،والثروة وكيفية توزيعها، وعلى دستور ديمقراطي ،وخلق جسور الثقة بين مكونات المجتمع المختلفة ويطمئن جميع الحساسيات الثقافية الأخرى التي لاتشارك الإسلاميين مرجعيتهم.     وهكذا، فإن هذه الدعوة تتوخى تحقيق حوار إسلامي إسلامي بشكل مباشر، وحوار ضمني مع أطياف المشهد السياسي والثقافي الأخرى. وإذا كانت هذه الدعوة موضوعية من حيث أهدافها المعلنة، فإن الصيغ التي تضمنتها تشي بوجود أزمة ثقة مع أطراف المشهد السياسي الأخرى،ووجود انعدام  التواصل بين ذوي المرجعية الإسلامية أنفسهم، وهي مؤشرات سلبية في عمومها لأنها تؤكد وجود تراجع كبير على ما كانت هذه الأطراف قد حققته في مرحلة سابقة.  البيان الثاني أصدره مجموعة من المثقفين والإعلاميين أطلقوا عليه )نداء من أجل الدفاع عن الحريات الفردية( واعتبروا فيه أن المغرب يعيش حالة من تنامي التهديدات المستمرة ضد الأفراد بسبب أذواقهم وآرائهم واختياراتهم المعيشة الخاصة، واتهم البيان من أسماهم حماة الأخلاق والفضيلة، واعتبر أن) الدين ملك جماعي لايجوز استعماله من أجل تفرقة المغاربة وتحريض بعضهم ضد بعض (
المبادرة الثالثة أطلقتها مجموعة من الفعاليات الحزبية والجمعوية والاقتصادية بعنوان ) حركة لكل الديمقراطيين (واعتبرها أصحابها مبادرة سياسية حددت أهدافها في توفير إطار مشترك بالمغرب لكل الذين يؤمنون بالديمقراطية و الحداثة، وذلك من أجل الفعل في الواقع السياسي و الخروج من دائرة الانتظارية و الجمود. كما أكدوا أنها مبادرة وطنية مفتوحة، تعبيء كل الديمقراطيين مهما اختلفت انتماءاتهم ومشاربهم السياسية، هدفها العمل من أجل حركة لكل الديمقراطيين تؤمن بالثوابت الوطنية المغربية مرجعا، وتنتصر للقيم الديمقراطية منهجا، وتعتز بمقومات الهوية الوطنية في أصالتها وتنوعها وتعدد روافدها واعتدالها عقيدة ، وتسعى للحداثة أفقا، وتعتمد خطاب الواقعية مسلكا وسياسة القرب من المواطنين أسلوبا.
    إن صدور الدعوة والنداء والمبادرة في وقت متزامن يعني وجود أزمة ثقة بين المرجعيات، فرغم أن النداء لم يشر إلى الهيآت ذات المرجعية الإسلامية فإن مضمونه العام يعكس هذا التوجه، وكذلك أسماء الموقعين عليه وبياناتهم، ومن الملاحظ أيضا أن النداء جاء في صيغة جماعية ولم تتبنه جهة محددة، أما دعوة الأستاذ المصطفى المعتصم فإنها تحيل على مرجعية الداعي إليها، والذي اعتبر أن الحوار الإسلامي الإسلامي مطلب أولي من أجل صياغة ميثاق موحد يزيل الالتباسات الموجودة في أذهان باقي الفاعلين بشأن الحركات الإسلامية، ورغم أن الدعوة لم تجد التجاوب المنتظر من قبل الحركات الإسلامية أولا، ولم تحض بالنقاش المطلوب ثانيا، فإنها خطوة جريئة تستبطن انتقادا مضمرا للحركات المتبنية للمرجعية الإسلامية، والتي تشتغل بمنطق فردي لا يسمح لها بتوحيد جهودها. وفي مقابل ذلك فقد عبر بيان المدافعين عن الحريات الفردية عن وجود خطاب يرغب في إعادة تشكيل الكثير من مقومات الهوية المغربية استنادا إلى المرجعيات الكونية لحقوق الإنسان، أما المبادرة الموجهة لكل الديمقراطيين فقد وصفت بكونها ناديا فكريا، وأنها تهيئ لتأسيس حزب جديد مؤطرببعض الرموز السياسية والاقتصادية القريبة من القصر.
    والملاحظ أن هذه المواقف مجتمعة جاءت بعد النتائج الأخيرة للانتخابات البرلمانية، والتي ترتبت عليها عدة نتائج وتساؤلات زعزعت الثقة في مدى نجاعة المسار الديمقراطي، إذ تولدت عنها أزمات حزبية، وخلافات مرجعية جعلت التشكك في الأدوار الحزبية، والقول بوجود محاولات لإضعافها جزءا من النقاش الإعلامي والعمومي.
   يؤكد ماسبق أن العلاقة بين التوجهات المختلفة بالمغرب مقبلة على خوض نقاشات حاسمة وجريئة، وأن التباينات المرجعية ستصبح هي الموجه للعلاقات، وليس البحث عن المشترك الذي يسمح بالتفاعل والتناغم والتسامح السياسي.

    المرصد الديمقراطي، السنة الثالثة ، العدد الثامن، فبراير 2008

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire