jeudi 30 septembre 2010

أزمة اليسار المغربي: العوامل والآفاق

أزمة اليسار المغربي: العوامل والآفاق      جمال بندحمان

  خلفت نتائج الانتخابات الأخيرة التي عرفها المغرب تساؤلات عريضة عن وضع الأحزاب اليسارية التي عرفت تراجعا كبيرا. خاصة وأن أحزاب اليسار قد لعبت دورا مركزيا في استراتيجية النضال الديمقراطي التي عرفها المغرب منذ الستينيات، وقدمت تضحيات جسام في صورة اعتقالات واختطافات واغتيالات، وبرهنت عن صمود نضالي وتشبت بالقيم الأساسية التي تحتاجها كل ديمقراطية. فقد بدأ تشكيل الخطاب اليساري أواخر الخمسينيات من القرن العشرين بانفصال الاتحاد الوطني للقوات الشعبية عن حزب الاستقلال، والذي ما لبث بدوره أن عرف انشقاقا بتأسيس حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. ورغم وجود منظمات يسارية أخرى مثلث اليسار الجذري كحركة إلى الأمام، أو أحزاب مثل التقدم والاشتراكية، فإن الاتحاد الاشتراكي شكل مركز اليسار المغربي وواجهة النضال من أجل إقرار الديمقراطية الاجتماعية، وضم في صفوفه مناضلين أممين مثل المهدي بن بركة ، وقوميين مثل محمد الفقيه البصري، ومنظرين لخطه الإيديولوجي ،مثل محمد عابد الجابري، وذوي تكوين نقابي مثين مثل عمر بن جلون مما سمح له بالتواجد في مقدمة المواجهات التي عرفها المغرب طيلة عقد الستينيات والسبعينيات والثمانينيات مسنودا بامتداد شعبي ونقابي شكلته الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، وقوة شبابية ضاربة ممثلة في الشبيبة الاتحادية، وإعلام وازن ممثل في جريدة المحرر وبعدها جريدة الاتحاد الاشتراكي. كل ذلك جعل من الحزب واجهة نضالية مبدئية، وخصما سياسيا فاعلا في الساحة الاجتماعية. وقد كانت مشاركاته في الانتخابات، خلال هذه المرحلة، محطات لتأكيد التفاعل الجماهيري رغم تعرض نتائجه للتقليص والتزوير في الكثير من المحطات. وستعرف مرحلة التسعينيات تغيرا تاما في استراتيجية الحزب الذي يقود اليسار المغربي بقبوله قيادة حكومة التناوب التوافقي التي أنهت سنوات الصراع مع النظام المغربي، وقد كانت قيادته لحكومة التناوب عاملا أساسيا في خلق شرخ داخلي كانت له امتدادات متعددة، علما بأن منطق الشروخات تحكم في مسار اليسار المغربي منذ الاستقلال، فقد تأسس الاتحاد الاشتراكي نتيجة انفصال عن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وفي الثمانينيات من القرن الماضي عرف الاتحاد الاشتراكي نزاعات حادة أفضت إلى تأسيس فئة من مناضليه لحزب الطليعة الذي  قاطع جميع الاستحقاقات الانتخابية إلى حدود الانتخابات الأخيرة التي شارك فيها دون أن يحقق أية نتائج تعكس حضوره في المشهد السياسي. وبعد المشاركة في حكومة التناوب الأولى، أواخر التسعينيات، عرف الحزب انشقاقا آخر بتأسيس حزب يساري جديد هو المؤتمر الوطني الاتحادي الذي دعمته نقابة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، لكن هذا الحزب اليساري مالبث أن عرف انشقاقا جديدا ليتشكل حزب يساري جديد باسم الحزب الاشتراكي، كما عرفت السنة الماضية تأسيس حزب يساري جديد منشق عن الاتحاد الاشتراكي هو الحزب العمالي.
 لقد استنزفت الانشقاقات المستمرة حزب الاتحاد الاشتراكي وقلصت قيمته الاعتبارية لدى المواطنين ، كما كانت مساهمته في التدبير الحكومي وقيادته سفينة التناوب سببا في تحميله النتائج الاقتصادية والاجتماعية التي لم ترق إلى ما يطمح إليه المواطن،  خاصة وأنه الحزب الذي حمل حقيبة المالية والثقافة والتعليم والعدل والبيئة. وإذا كان المشهد السياسي العام قد عرف في عهد حكومة التناوب متنفسا إيجابيا بإقرار المصالحة الوطنية وفتح مجال الحريات العامة،  فإن نتائج الوضع الاقتصادي لم تسمح للحزب بالإبقاء على مكتسباته الجماهيرية.
  وإذا كانت هذه العوامل جزءا مفسرا لأزمة حزب الاتحاد الاشتراكي الحالية، فإن عوامل أخرى ذات طبيعة تدبيرية كانت حاسمة في تضييع رأسمال الحزب النضالي، إذ لم يعرف الحزب كيف يدبر اختلافاته فقد انتهى صراعه مع فرعه النقابي الفاعل في الساحة الاجتماعية إلى الانفصال، وتم الدخول في صراع قوي مع الشبيبة الاتحادية من أجل إضعافها، مما أفضى إلى انسحاب مناضليها وتشكيل بعضهم لجمعية الوفاء للديمقراطية التي مالبتث أن انتمت إلى حزب يساري جديد هو اليسار الاشتراكي الموحد ليصبح مشهد اليسار المغربي أكثر تشردما وتوزعا مع انعدام وجود مميزات تنظيمية أو فكرية،  وانعدام القدرة على اتخاذ المبادرات الفاعلة والجريئة، وضعف الإعلام الحزبي ، في مقابل انتقادات حادة موجهة للحزب من طرف جرائد مستقلة أصبحت صدقيتها تزداد لدى المواطنين،  بل إن خوف بعض أحزاب اليسار من التيار الإسلامي الممثل بحزب العدالة والتنمية دفعها إلى تقمص دور المدافع عن السياسة الرسمية بغض النظر عن نتائجها الاجتماعية، و التخلي عن المرجعية اليسارية بكل أهدافها، فقد دافع الاتحاد الاشتراكي ،مثلا، عن ليبرالية تكاد تكون متوحشة،وقاد سياسة  خصخصة لمعظم القطاعات العامة دون أن تكون لذلك انعكاسات إيجابية على حياة المواطنين. لذلك  تحمل معظم الأحزاب اليسارية المغربية مسؤولية تراجعها في المشهد السياسي العام للاتحاد الاشتراكي في صورته الحالية، وترى أن قطبا يساريا فاعلا بقيادته كان من الممكن أن يكتسح الانتخابات، وأنها عندما حاولت خلق هذه التقاطبات لم تتمكن من تحقيق النتائج المرجوة، فقد عملت على خلق تقاطب قوي قبل الانتخابات بسنوات من خلال تجمع اليسار الديمقراطي الذي ضم  ( حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي- النهج الديمقراطي – اليسار الاشتراكي الموحد – الوفاء للديمقراطية – المؤتمر الوطني الاتحادي) ، كما أن بعض أحزابه دخلت الانتخابات الأخيرة بلوائح مشتركة مثلما هو الحال مع تحالف حزب الطليعة والمؤتمر الوطني الاتحادي واليسار الاشتراكي الموحد، والتي لم تحصل مجتمعة إلا على 6 مقاعد برلمانية، ناهيك عن عدم توفق قياديها في نيل ثقة المواطن المغربي، ولم يستطع الحزب العمالي أن يحصل سوى على مقعدين، ولم يحصل حزب التقدم والاشتراكية سوى على 17 مقعدا ، وتراجع الاتحاد الاشتراكي إلى المرتبة الخامسة ب 36 مقعدا مقابل حصوله على الرتبة الأولى في انتخابات 2002.
 ترجع الكثير من التحاليل أزمة الأحزاب اليسارية بالمغرب إلى تخليها عن استراتيجية النضال الديمقراطي وعدم وضوح مرجعيتها، وضبابية مواقفها، وكثرة تنازلها عن المبادئ التي أسست من أجلها، واستنزاف قدراتها بالتشردم، وتضييع جهودها في مواجهة أحزاب إسلامية أعلنت انتماءها للعمل الديمقراطي،  واستقطاب بعضها للأعيان من أجل تحقيق مكاسب انتخابية والتخلي عن مبدأ المنخرط الحزبي الفاعل والمقتنع بمبادئ الحزب، وعدم قدرتها على حل مشاكلها الداخلية بطرق ديمقراطية، وإحلال الطموحات الشخصية موضع القناعات الحزبية والوطنية. وإذا كان الجزء الأكبر من هذه الانتقادات موجه للاتحاد الاشتراكي، فإن الأحزاب اليسارية الأخرى غير بعيدة عنها، لأنها دخلت بدورها منطقة الانقسامية التي تهيمن على الحياة السياسية المغربية منذ نهاية الاستعمار.
   تقر بعض الآراء أن رهان اليسار المغربي المستقبلي يتمثل في إيجاد صيغ لخلق قطب يساري موحد قد لايضم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وأن المخرج الموضوعي للأزمة هو القيام بنقد ذاتي للتجربة اليسارية المغربية، وهو شيئ لم تقم به هذه الأحزاب باستثناء حزب النهج الديمقراطي الذي قاطع الانتخابات، ويرفع مطالب متعددة ،مثل الإصلاحات الدستورية وغيرها مما كان يشكل نقطة قوة الأحزاب اليسارية المغربية. 
المرصد الديمقراطي، السنة الثانية، ع 5، أكتوبر 2007

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire