jeudi 30 septembre 2010

الأحزاب السياسية المغربية: تداخل المرجعيات وتحديات المستقبل

الأحزاب السياسية المغربية: تداخل المرجعيات وتحديات المستقبل
جمال بندحمان
     مابين تأسيس كثلة العمل الوطني في ثلاثينيات القرن الماضي، وتأسيس حزب الأصالة والمعاصرة مسيرة سياسية طويلة تأرجحت بين توظيف الحزب السياسي لغايات نضالية تواجه الاستعمار وصولا إلى توظيف الحزب للإجابة عن أسئلة معقدة يواجهها المغرب المعاصر، وتم التعبير عنها في صيغة معادلة ذات طبيعة إشكالية تحمل ثنائية الأصالة والمعاصرة في محاولة لاحتواء كل الخطابات ، سواء منها تلك التي نمت في ظل خطاب يميني محافظ أو تلك التي اختارت مرجعية يسارية بمختلف تشعباتها المرجعية، والواقع أن منظومة الأحزاب بالمغرب استعصت دوما على التصنيف لتداخل مرجعياتها وتباين مواقفها، وإذا نحن استحضرنا التاريخ الحزبي سنجد بأن واحدة من أهم مميزاته هي الانقسامية التي شكلت دوما أساسا لحسم الخلافات وتحقيق الطموحات الفردية، فقد كان حزب الاستقلال الذي تأسس في أربعينيات القرن الماضي  الرحم الذي خرج منه الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي انشق عنه الاتحاد الاشتراكي الذي تناسلت منه أحزاب يسارية متعددة ، إذ كلما حلت محطة تنظيمية أو استحقاق سياسي كبير إلا وأفرز مولودا حزبيا جديدا.
   وفي الثمانينيات من القرن الماضي برزت إلى الوجود أحزاب وصفت باليمينية والليبرالية من قبل أصحابها، وبالإدارية من قبل خصومها السياسيين، وكان خروج بعضها يتحقق مع زمن الاستحقاق الانتخابي الذي كثيرا ما كان الحزب الجديد يفوز بمراتبه الأولى لينتقل إلى تسيير الشأن العام وتدبيره,
  أفرز هذا الوضع الحزبي تشردما سياسيا وتداخلا كبيرا بين المرجعيات وعدم القدرة على خلق أقطاب كبرى رغم مابرز خلال فترات تاريخية مثلما هو حال الكتلة الديمقراطية  التي تشكلت نواتها الكبرى من حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي ، لتقابل بتحالف آخر أطلق عليه الوفاق الذي تشكل من أحزاب الحركة الشعبية والاتحاد الدستوري والحزب الوطني الديمقراطي والحركة الديمقراطية الاجتماعية، وقد كان لمثل هذه التحالفات أن تشكل منطلقا لأقطاب سياسية كبرى تقود إلى التقليص من التضخم غير الطبيعي في عدد الأحزاب الذي فاق اليوم الثلاثين حزبا ، ورغم أن المقاربة الأولية يمكن أن تبحث عن عللها في التعددية وثقافة الاختلاف والحرية السياسية إلا أن هذا التضخم الحزبي  لم يسهم في تعميم الثقافة السياسية، ولم يتجذرفي  المجمتع، ولم يستقطب الفئات الشابة التي تتحدث الدراسات عن نسبة عزوف كبرى لديها.
     إلى جانب التصنيف السابق برزت منذ تسعينيات القرن الماضي أحزاب جديدة أهمها تلك المتولدة عن المرجعية الإسلامية ممثلة في حزب العدالة والتنمية في مرحلة أولى، والبديل الحضاري قي مرحلة ثانية ،والفضيلة في مرحلة ثالثة، كما برزت بعض الأحزاب المتولدة عن اليسار الجدري؛ مثل حزب النهج الديمقراطي الذي اتخذ من مقاطعة الاستحقاقات الانتخابية واحدة من اختياراته المرجعية ،إضافة إلى تبنيه الكثير من القضايا ذات الطبيعة الاجتماعية.           وإذا نحن عدنا إلى الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية سجلنا كثرة الإكراهات التي واجهتها من خلال التشكيك في اقتناعها بالقواعد الديمقراطية، رغم مساهمتها في التدبير المحلي لجماعات محلية )بلديات ( وانخراطها في المؤسسات التشريعية...... وإذا كان هذا الأمر ينطبق على العدالة والتنمية ، فإن حزبا آخر ذي مرجعية إسلامية قد تم حله السنة الماضية بسسب تهم كبرى تجري بشأتها اليوم محاكمة لم تعرف أطوارها النهائية بعد.
   وإذا كان المغرب يقر بالتعددية السياسية، فإن قانون الأحزاب يمنع تأسيسها على أسسس  عرقية مما يفسر حل حزب آخر اتخذ اسم  الحزب الأمازيغي الذي أراد استثمار صيغة الانفتاح المؤسساتية للتركيز على قضايا تدافع عن هوية تعتبرها الهوية الأصلية للمغرب، ويعتبره مخالفوه حزبا يشرع لشقاق غير مستصاغ، ومبني على مطالب غير ديمقراطية، وغير تاريخية. كما أن  الانفتاح السياسي سمح  ببروز حزب جديد بداية هذه السنة حمل اسم الأصالة والمعاصرة ،دعا إلى فتح المجال أمام فئات ظلت تنفر من العمل السياسي، كما اعتبر أن مهمته هي إعادة الاعتبار للعمل السياسي، ومواجهة الخطاب الذي يخلط بين الدعوي والسياسي ويستغل الدين لغايات سياسية. غير أن خصوم هذا الحزب أطلقوا عليه صفات متعددة أبرزها صفة الوافد الجديد، والحزب الإداري الذي يريد إعادة تجربة ماعرفه المغرب في ستينيات القرن الماضي عندما تم تأسيس حزب الفديك لمزاحمة وإرباك الأحزاب الوطنية  التي كانت تتخذ مواقف معارضة لنظام الحكم، وقد كانت الانتخابات الجماعية التي عرفها المغرب يوم 12يونيو 2009فرصة لقياس الكثير من التوقعات، حيث فاز الحزب الجديد بالمرتبة الأولى ليصبح قوة سياسية عددية، وليدخل في صراع قوي مع أحزاب مثل العدالة والتنمية والاتحاد الاشتراكي ،كان من نتائجه تحالفات بين الحزبين اعتبرت ضد الطبيعة من قبل البعض واستجابة لإكراهات وتحديات كبرى من لدن أصحابها.
   والواقع أن المشهد الحزبي بالمغرب  يمتاز بخصائص كثيرة؛ فهو انقسامي، ومتداخل المرجعيات، والتحالفات فيه لاتبنى على أسس استراتيحية، بل تأتي استجابة لظفريات تاريخية، كما أن الديمقراطية الداخلية كانت دوما موضع تساؤل ، إضافة إلى التساؤلات التي تواجهها حول مصدر شرعيتها؛ فبعض الأحزاب ظلت تعتبر الشرعية التاريخية مرجعها الأقوى، بينما تدافع أخرى عن الشرعية الديمقراطية، وكثيرا ما تطرح على هذه الأحزاب أسئلة محرجة تتعلق بعدم قدرتها على تأطير المواطنين، وتآكل شرعيتها بتآكل مواقفها، وقصر مهام بعضها على فترات الانتخابات,
   وفي مقابل هده الصورة تقدم مواقف أخرى تصورات تقر بالدور التاريخي للأحزاب في المغرب، فهي جزء أساسي من الحركة الوطنية التي قادت النضال ضد الاستعمار، وهي المحرك الأساسي للنضال الديمقراطي الذي عرفه مغرب مابعد الاستقلال، وهي من قدم الكثير من التضحيات قي سبيل الوصول إلى انتقال ديمقراطي توافقي، وهي من حمل شعارات الإصلاح المؤسساتي والدستوري، وهي المؤهلة للقيام بأدوار تاريخية مستقبلية لأن لاديمقراطية بدون أحزاب. وعليه فإن التحديات التي تواجهها تتعلق بوضوح المرجعيات وخلق أقطاب سياسية كبرى وتحديد الأهداف وتقوية الديمقراطية الداخلية، واستعادة ثقة المواطن.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire