vendredi 24 septembre 2010

المناضلون اللغويون والديمقراطية المغيبة

 المناضلون اللغويون والديمقراطية المغيبة
                                            جمال بندحمان
    هل تحتاج اللغة العربية اليوم إلى نصرة ؟ وما سر هذا التهافت على التنقيص منها ؟ وهل تعد هذه الدعوات المتنامية إلى تعدد لغوي جزءا من اقتناعات ديمقراطية أم أنها تستبطن إطارا للفوضى اللغوية مع ما يستتبعه ذلك من تأثيرات على المجتمع والهوية الثقافية ؟ ثم ما مسوغ التهجم على العربية من طرف من يدعون عدالة مطالب التعدد اللغوي؟  ألا يمكن الدفاع عن التعدد بعيدا عن هذه الرغبة الجامحة في إقصاء العربية،  والتشكيك في قدراتها التواصلية وكفاياتها العلمية والعملية؟
   إنها أسئلة تتداعى إلى ذهن كل مهتم بالسياسة اللغوية المعتمدة وطبيعة النقاشات المرتبطة بها،  والتي تبرز أن هناك بالفعل إشكالا لغويا بالمغرب لم تتم معالجته بالشجاعة المطلوبة وبالديمقراطية التي تعتمد الحوار الوطني آلية لتدبير الاختلافات. فإذا كانت الثنائية التي استهلكت جزءا من التاريخ اللغوي المغربي قد ارتكزت على الفرانكفونية ودرجة التطبيع معها في علاقتها باللغة العربية، فإن الوضع اليوم أصبح أكثر إيغالا في التشعيب والتفريع بصورة أصبح معها الحديث عن الفرانكفونية ضربا من البساطة التحليلية.
   هكذا أصبحنا أمام اتجاهات تدافع عن أمازيغية وحيدة وموحدة، وأمام دعوات إلى هجر اللغة العربية الفصيحة باعتبارها لغة وافد مشرقي ينبغي أن يتحمل متكلمو لغته اليوم وزر الأجداد الذين تتم قراءة مواقفهم قراءات مغرضة، وأمام اتجاهات تدعو إلى الابتعاد عن هذه العربية الناعمة المتحذلقة والمتشبتة ببلاغة السكاكي والجرجاني والسجلماسي، والمعقدة بقواعد سيبويه وآجروم. والاعتماد على اللغة العامية باعتبارها لغة الأم كي لا نعيش شيزوفرينية مقيتة.
     تولد عن كل هذا مناضلون لغويون، ومفكرون جدد يعتبرون أن الإعلام الفعال هو ذلك الذي يكتب للمواطنين بلغتهم العامية لأنها الأقرب إلى وجدانهم، ولأن درجة أميتنا المرتفعة تضيع بوصلة فهم عربية متهالكة. غير أن الدعوتين معا تلتقيان في اعتبار العربية الفصحى ضرة عقيمة لم تستطع الاستجابة لفحولة الحداثة، ولم تستطع تحمل ثقافة الاختلاف والتعدد.
   إن المستغرب في مثل هذه الدعوات هو أن مرتكزاتها النظرية غير سليمة، فمن يدعي منها أنه ينطلق من مرجعية التعدد والاختلاف مشحون حتى النخاع بثقافة إقصائية، وهي إقصائية لجزء من ذاتها أولا، وإقصاء اللغات الأخرى من ناحية ثانية. ذلك أن الذي يدعو إلى توحيد الأمازيغيات ومعيرتها وتنميطها لاينتبه إلى كونه يحقق رغبة ذاتية بإقصاء التعدد ذاته،  وأنه يكد لصنع لغة مخبرية سيكون وضعها شبيها بتلك اللغة التي يعتبرها شمطاء وتقليدية وقومجية، أي أنها لن تكون لغة الأم المغبونة في حقها. بمعنى أن ما يعاب على اللغة العربية هو ذاته المنهج المتبنى في صنع لغة أمازيغية موحدة. وإذا أردنا أن نكون موضوعيين فإننا نقول بأن من حق كل مغربي أن يدافع عما يعتبره مكونا لهويته،  لكن عليه أيضا أن يستحضر الجواب عما يجمع المغاربة ويوحدهم. وهو أمر يتطلب معالجة ديمقراطية يستشار فيها المغاربة الذين يمتلكون ألسنا يمكنهم أن يفصحوا بها عن تصوراتهم. فمن حق الأمازيغيات أن تدعو إلى ما تدعو إليه، ومن حق الدوارج المغربية أن تبحث عن اعتراف غير مغبون، ومن حق الحسا نية أن يكون لها ما لغيرها. غير أن عدالة المطالب ينبغي ألا تلوث بنزوعات إقصائية وعدوانية. وهو أمر قابل للتفاقم ما لم يتم اعتماد سياسة لغوية تدبر هذا الشأن باعتباره قضية قد ترهن مستقبل البلاد والعباد.
   وإن المستغرب حقا هو أن نجد من يدافع، باسم الحداثة، عن اعتماد الدارجة المغربية أساسا تاما لإعلام يخاطب المواطن بلغته اليومية، وتزداد درجة الاستغراب عندما نجد الجهة نفسها تصدر صحفا ومجلات بلغة فرنسية تراعي فيها القواعد والفواصل والنقط مستعينة ببلاغة موليير وفصاحة بلزاك. فهل هذه هي لغة الشعب؟ وكيف يصمد التعليل القائم على دعوى الأمية ولغة الأم؟ وإذا كان الأمر يتعلق بحداثة أوما بعد الحداثة،  فليكن انسجام التنظير والتطبيق الموجه لكل ما يصدر عن مدعيه،  ثم إن الادعاء بأن العامية هي التي يستطيع أن يفهمها المغربي فيه اختلال كبير، إذ أن هذه الدارجة تكتب في هذه الصحف والمجلات بالحروف العربية،  ومن يستطيع أن يقرأها يستطيع أن يقرأ العربية الفصيحة كذلك. ودعك من قضية المعجم وغيرها من الحجج التي تتهاوى من تلقاء نفسها.
   إن أخطر ما يسجله الوضع اللغوي بالمغرب اليوم هو أنه يؤسس لنفسه من خلال صراع غير ديمقراطي، يبحث عن وسيط لغوي يقدم نفسه باعتباره صاحب فضل وانفتاح. فمن يتحدث اليوم عن الفرانكفونية سيتهم بأنه لا يفهم العولمة، ولا يستوعب ثقافة التعدد اللغوي. والحال أن هذا التعدد ينبغي أن يكون حقيقيا، وأن يكون المجال مفتوحا أمام الإنجليزية والإسبانية والألمانية والصينية والهندية، لأن التعدد الحقيقي هو ذلك الذي يجعل الوطن مستفيدا، وليس رهينة للغة تهيمن على الاقتصاد والتعليم الجامعي، وتختفي وراء صرا عات وهمية أسست لها منذ الحقبة الاستعمارية، و يريد البعض إيهامنا، اليوم، بأنها حقيقية، استنادا إلى تأويلات مغرضة للتاريخ الذي يختزل في مواقف تمثلية لا تزكيها الوثائق والدلائل، والأخطر من كل ذلك هو إسقاط المواقف السياسية على وضع اللغة العربية بالمغرب، وربطها بالقوميين أو الإسلاميين للإيحاء بما يجعلها لغة طوائف، مع ما سيترتب عن ذلك مستقبلا من مواقف وتمثلات تغيب الخيط اللغوي الناظم للمجتمع ومعه الثابت البنيوي الذي يوحد المغاربة.
المصدر: جريدة المساء ، يومية مستقلة،. العدد 362. السبت والأحد 6و7 ذو القعدة 1428.الموافق ل 17و 18نونبر 2007

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire