dimanche 26 septembre 2010

خطاب المعارضات في العالم العربي

خطاب المعارضات

في العالم العربي

جمال بندحمان
تركز التحاليل عادة على الأنظمة الحاكمة وخطاباتها وممارساتها، ونادرا ما تكون المعارضة محل دراسة أو تحليل أو نقد، لأن خطابها نظري لم تختبر فاعليته. ولعل ذلك ما يمنحه حصانة البراءة المفترضة التي تعفيه من المساءلة والمتابعة، غير أن هذا الأمر ينبغي ألا يمنع الدارس من مقاربة الموضوع بحكم أن كل معارضة هي مشروع نظام وحكم وسلطة، بل إن سلطتها تمارس من خلال خطابها وقدرته على تعبئة الأنصار واستقطاب المؤيدين.
يستهدف تحليل خطاب المعارضة (المعارضات) في العالم العربي البحث عن أسسه وتصوراته وإجراءاته وخلفياته النظرية. لكن التحليل أمر تال لتحديد مفهوم المعارضة أولا، إذ كثيرا ما يلتبس المفهوم بغيره، فلا تتحدد الأدوار المنوطة به، ولا ترسم مجالات التدخل أو التعارض. فهل يستقيم الحديث عن معارضة شرعية ومؤسساتية تؤمن بالاختلاف وتدبيره بالصيغ الديمقراطية ،في مقابل معارضة غير شرعية تؤمن بالإقصاء وتدعو إلى فرض تصوراتها استنادا إلى علة الهوية التاريخية أو سند الحداثة والعلمانية أو غيرها من المرتكزات النظرية؟ و إذا صح هذا التقسيم فإنه يطرح إشكالات أخرى من قبيل:
من يمنح الشرعية لهذه المعارضة ويسحبها من تلك؟ وهل توفرت في تاريخنا الحديث شروط  الممارسة  الناجعة والمؤسساتية التي منحت طرفا ما حق التصنيف؟ ألا تعد أوجه المعارضة غير الشرعية تأكيدا لتهلهل السلطة وانعدام قيامها على أسس ديمقراطية؟ وإلا كيف نفسر تعدد المعارضات)غير الشرعية ( ووصول بعضها إلى الاقتناع بالحد الأقصى للتطرف وتكفير المجتمع؟......لكن هذه التساؤلات تواجه بأخرى؛ فلقد تم إدماج الكثير من المعارضين)  الشرعيين ( ضمن النخب الحاكمة، وفتحت أمامهم أبواب تنفيذ تصوراتهم، وسمح لهم بمزاولة نشاطهم في إطار منظمات وجمعيات مدنية وأحزاب، بل والتحكم في رأس الحكومة وتحقيق التناوب. كل ذلك لم يمنع من اهتزاز صورة المعارضة الشرعية لدى المواطن، وظهورها بمظهر المتواطئ الذي تحكمه نوازع فردية أكثر مما تحكمه التصورات المنسجمة ،والقدرة على التشبث بالمبادئ والحرص على تنفيذ البرامج.والحرص على استمرا الحس المدني الرافض للولاءات الشخصية والوصاية السياسية والمواطنة الامتيازية .
إذا تجاوزنا هذه التصنيفات، وبحثنا في بعض أشكال المؤسسات التي تقدم نفسها اليوم باعتبارها بدائل عن المهام التي تنجزها المعارضات والتي ينبني خطابها على قيم الديمقراطية والمواطنة وحقوق الإنسان، وتحدد مجالات اشتغالها ضمن قطاعات المجتمع  المدني، ولا تجعل السلطة، بمعناها التقليدي، هدفا مثاليا لمشاريعها.وهي خطابات تستدعي البحث في آليات اشتغالها، ومدى تلاؤم منجزاتها مع تصوراتها النظرية، ونوع الخطاب الذي تنتجه، وحدود تجذرها في المجتمع، واحترامها لأسس الديمقراطية الداخلية. ذلك أن الكثير من مهام الدولة، اليوم، ملقاة على عاتق الجمعيات والمؤسسات التي  اختارت الاشتغال وفق مقاربة تنموية متعددة المجالات، إلى الحد الذي أصبح فيه التداخل بين مهامها التنموية ووظائف الدولة بارزا، وهو ما يطرح مشكلا أساسيا إذا ما فشلت مقارباتها، خاصة وأن تعددها أدى إلى تجزيء المطالب، وتحديدها في مجال دون آخر. وهذا التجزيء أصبح يهدد الأفق الاستراتيجي الذي كانت الأحزاب تشتغل وفقه. ولذلك تفترض الضرورة البحث في حدود العلاقة بين الدور التاريخي للأحزاب ودور هذه الهيآت التي ازداد حضورها بحكم التحولات الكونية.والتي اختار بعضها الاشتغال ضمن مجال المعارضة اعتمادا على أن دورها يقوم على المرافعة في القضايا التي تهم الإنسان وحقوقه المتعددة .
بموازاة هذا التناول نجد أنواعا أخرى من المعارضات تشتغل بمقولة مغلقة، وتؤمن بفرض تصورها، وان كان بالعنف، لأنها ترتكز على ما تعتبره سندا ثوريا أو شرعيا أو حداثيا. وسواء أكان عنفها ماديا أم رمزيا ،فإنها تمثل نوعا من المعارضة لم تستطع أطر المجتمع استيعابه.وهذا ما يعني أن جزءا من الأنظمة السياسية العربية مازالت تعتبر أنها ليست في حاجة إلى المعارضة لأنها مجرد عبء ثقيل  وأن بإمكان الدولة أن تحقق التوازنات المطلوبة والضرورية في الحياة السياسية ،وأن حالات الفراغ السياسي التي تتحدث عنها تنظيرات الدولة الحديثة مجرد دعاوى فارغة وأن الدولة تستطيع أن ترعى مواطنيها وأن تضمن لهم حقوقهم وتدافع عن حقهم في تغيير البرامج الحكومية وأنها مرنة بالقدر الذي يسمح لها برفع شعارات التغيير في البنيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية أي أنها قادرة على لعب دورها ودور المعارضة أيضا .
ولاشك أن تقديم حكم عام على العالم العربي ووظيفة المعارضة فيه سيكون من باب الاختزال المجحف لأن المعارضة معارضات،وأنها تختلف بحسب المسار السياسي لكل دولة منذ نشأة الدولة القطرية إلى الآن .لكن المؤكد هو أن تاريخ المعارضات لم يكتب بعد، وأن خطابها لم يخضع لتقييمات موضوعية. وإن الحاجة، اليوم ،ملحة لتحليل خطاب المعارضة في العالم العربي بموازاة هذا الاهتمام المتزايد بالسلطة الممارسة وآليات اشتغالها، لكن ذلك رهين بالإجابة عن أسئلة تختفي وراءها إشكالات معقدة، إذ ما معنى المعارضة اليوم؟ وهل يوجد بالفعل خطاب للمعارضات؟ ما شكله؟وما محتواه؟ ما مرجعيته؟ ما استدلالاته؟ ما تصوره للمجتمع وللديمقراطية والتنمية وما يتحاقل معها من مفاهيم؟ ما مدى تقيده بالمواضعات الأساسية للاختلاف؟ ما حدود التداخل فيه بين الفكري والأيديولوجي؟ ما مسوغات التجائه إلى العنف الرمزي أو المادي؟ هل يجتهد منظروه في تطوير أدواتهم وتصوراتهم؟ هل يستقيم التقسيم الثنائي الحاد الذي يوزع المعارضين إلى إسلاميين وعلمانيين؟ألم يحن الوقت لإعادة التصنيف بناء على معيار الديمقراطي وغير الديمقراطي؟ هل صحيح أن المعارض عدو للسلطة؟ كيف يمكن تجفيف تلك الصورة البائسة التي ترسخت في أذهان كل صاحب سلطة بأن المعارض عدو تاريخي؟ وكيف نلغي من تمثلاتنا السياسية أن لكل معارض ولي داخلي أو خارجي وأن منطلق المعارضة وطني بالأساس؟.كيف تضيق جغرافية الأوطان أمام كل معارض لخطاب يعتبره مغايرا لأفقه الفكري ؟ومتى يتم الاقتناع بأن المعارضة جزء أساسي في كل بناء وأنها حق يضمنه الانتماء إلى الوطن؟.
·       مجلة المنتدى الليبي، السنة الثانية، العدد الأول، ربيع  2007

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire